من لحظاتها الأولى لم تغِب اليمن عن المشهد الفلسطيني الحاضر بالأصالة في قلب همومه الشعبية وجوهر سياساته الرسمية.
لم يكتف اليمنيون بمتابعة أحداث معركة الطوفان عبر الشاشة وحسب؛ ففي غضون ساعات قليلة خرج الآلاف من فورهم إلى ساحات وشوارع العاصمة صنعاء .. امتلأت بهم ميادينها، ومنها طفحت الأسئلة: ماذا لو كان لهؤلاء القوم من أهل طوق فلسطين!! مددٌ يماني لا توقفه إلا الجغرافيا .
فلسطين عربية واليمن فلسطينية
تلاقت في السابع من أكتوبر بطولاتُ مجاهدو فلسطين مع هبة وهتافات الجماهير اليمنية ومع دعوات السلطة الرسمية فكان المشهد الأول والأقوى من بين كل العواصم والمدن الإسلامية و بسقفِ مطالبات مرتفعة و واضحة: أعلاها فتح الحدود والتعبئة الجهادية، وأدناها المطالبة بطرد السفراء وانهاء الموقف الرسمي المتماهي والمتخاذل .
الـ13 من أكتوبر خروجٌ يماني عنوانُه الإسناد تعزيزاً لصمودِ غزة و دفعاً للمواقف الرسمية المُقعَدة إلى دائرة الموقف الفاعل ، يلتهب الشارع اليمني بالمطالبات غضباً؛ كان هذا الحضور ذروة مسيرات ومظاهرات شعبية في عشرات المدن اليمنية التي استمر تفاعلها من أول طلقة غزّاوية وتواصل إلى أحدث غارات صهيونية في مختلف الساحات اليمنية قرى ومدن وبوادي وحواضر.
مساء الثامن عشر من أكتوبر بتوقيت مجزرة مشفى المعمداني صنعاء ليلتها لم تنم، تداعت الجماهير موشحة بدماء الشهداء وحزنهم إلى شوارع صنعاء، وميادين عمران وشوارع ذمار وساحات وطرقات إب أينما توجّهت فكل اليمن من يوم السابع من تشرين غزة بصوت يجمع الساحات تفويضاً لخيارات المشاركة و قرارات المناصرة.
المشهد لم يختلف، في صباح مجزرة المعمداني، الجماهير تملأ الساحات لتصل المطالب ذروة الممكن حين أعلنت السلطات التعبئة و النفير لمساندة القسام والسرايا، تلى البيان جهوزية اليمن شعبياً وحضوره رسمياً في قلبِ المعركة.
لا يكف اليمنيون عن اجتراح مواقف خارجة عن المألوف .. جمعة العشرين من تشرين ، خروج جماهيري على نحو لا تحويه العدسات؛ يومها لم تكن فلسطين اسم الشارع الذي جمع مئات الآلاف وسط صنعاء بل كانت عنوان الخروج ومضمونه في جمعة استنفر فيها اليمنيون حشودهم رجالاً و نساء .
الجمعة التالية السابع والعشرين من تشرين، يجتمع اليمنيون في مصلىً واحداً خلف قضيةٍ تأمهم ويقصدونها، صلواتهم على مجاهدي غزة ودعاؤهم لأهلها الصامدين و وعدهم باللقاء قريب و وعد لا يتخلف.
وبين الجمعتين استنكفت مختلف المدن اليمنية وضواحيها بأنشطة وفعاليات فلسطينية متنوعة الفقرات و متعددة المشاركات.
بعدها توالت مشهدية الخروج على مستوى المحافظات في شتى المديريات والأحياء والحارات والقرى والأرياف .. تقول اللجنة المنظمة إنها بالكاد تنظم وتُخصي مسيرات عواصم المحافظات ، أما الوقفات والأنشطة وهي متعددة المضامين والمواقيت فجرت خارج إحصاء الجهات المسؤولة على نسق من العفوية والمبادرة الشعبية في تصاعدية يضبطها وقع المعركة في غزة وحجم المآسي فيها .
في الـ31 من أكتوبر تعلن الدفاع اليمنية باكورة عملياتها على أهداف “اسرائيلية” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويا لها من لحظة تاريخية محت من ذاكرة الوعي العربي مآسي النكبة وعار النكسة .. حين أطلقت الصاروخية اليمنية عنان البركان والفقار نحو العدو المحاط بخرافة القوة المطلقة و وهم العصمة من الهزيمة في لحظة زهو غير مسبوقة في تاريخ كيانه المستجد والمؤقت.
عكس الخروج الجماهيري -نهار الإعلان- بهجة الناس المتعطّشة للرد والمتلهِّفة للانتقام، شعرَ الكلُ في جميع الساحات اليمنية بثمرة التفويض ولمسوا تقدير القيادة العالي للموقف التاريخي المنصهر في المسؤولية بين تطلعات الشعوب الاسلامية المتقاطعة مع رؤية القيادة الثورية في اليمن ، قيم لا تتزحزح ومبادئ لا تتجزأ على مسرح المعركة الواحدة والقضية الموحدة ؛ فلسطين عادت وهذه أهم تمظهرات الطوفان المرتدة على نحوٍ ساء وجه العدوّ وخيّب آماله.
6 عمليات عسكرية نفذتها القوات المسلحة و أقواها الوعد باستمرارها ،حسب بيان القوات المسلحة اليمنية، وهنا سقف أعلى للمواجهة لا يعلوه موقف في العالم الاسلامي، وترفع له الجماهير في الدول العربية والاسلامية قبعاتها إجلالا للموقف والوقفة التاريخية الفريدة؛ وبهذا التوقيت أضحى الخروج اليمني في المسيرات والتظاهرات ضربٌ من حضور وازن ومسؤول ومحسوب بثقله وأثقاله.
لستم وحدكم :
غليان الغضب الشعبي في اليمن بلسان موحّد : فلسطين لستِ وحدَك، خروجُنا- يقول المتظاهرون – مددٌ يعيد القضية لمركزيتها وينفخ الروح في أهلها الغافلون عنها؛ فيموت المطبعون وقد بدوا بحجمهم الضئيل استثناءً وسط اجماع عربي واسلامي وتعاطف انساني عالمي عنوانه فلسطين قضية حق وحق القضية.