في هذه الأيّام الحالكة التي تنزف فيها الإنسانية من جرح عميق؛ بسَببِ ما يلاقيه قطاع غزة من حصار مطبق وقصف مهلك من قبل الكيان الصهيوني الذي ينهش أرض الشعب الفلسطيني، ويذبح أطفاله ونسائه وشيوخه، ويحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية، تمارس الولايات المتحدة الأمريكية لعبة الرياء والمكر، مختبئة خلف قناع السلام لتبرير دورها الخسيس، مدعيةً أن ما تقوم به من تحَرّك في المنطقة هو للحد من اتساع دائرة الصراع، وللحفاظ على الأمن الإقليمي، ولكن هذا الزعم لا يغر إلا الساذجين والمغفلين، فهو في الحقيقة وجه آخر للتآمر على الشعب الفلسطيني والانقضاض على أي تضامن عملي معه.
لا شك في أن الحقيقة التي تتحدى كُـلّ الأكاذيب والأستار، أن أمريكا هي القوة الداعمة والمشعل الرئيس للاحتلال الصهيوني الظالم، فهي تقف خلفه بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ، سواء في الميدان العسكري أَو الحلبة السياسية أَو الساحة الاقتصادية أَو السمعة الإعلامية، وتزوده بكل ما يطلبه من سلاح ومال وحماية وتغطية، وتدعمه في كُـلّ ما يرتكبه من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وتسعى إلى تعطيل أية مبادرة أَو قرار يهدف إلى وقف الظلم والحصار على قطاع غزة، بينما في المقابل تستخدم حجّـة “عدم اتساع الصراع” كسلاح لتقويض دور الدول والشعوب في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ولتشتيت أي رد فعل متضامن عمليًّا مع الشعب الفلسطيني.
لا جدال في حقيقة أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كالثعلب الذي يرتدي ثوب الحمل، فهي تدعي أنها تحرس القطيع من الذئاب، ولكنها في الواقع تسرق الخراف وتسلمها للذئب الأكبر، الكيان الصهيوني الذي يعتدي على قطاع غزة، وهذا ما يظهر في خطتها لإنشاء تحالف دولي باسم “ضمان أمن الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي”، والذي هو في الواقع مُجَـرّد غطاء لضمان أمن السفن التي تحمل السلاح والوقود والمواد الاستراتيجية لـ”إسرائيل”.
هذا التحالف لا يصب في خير الدول الأعضاء فيه، بل يسحبها إلى صراع لا تشتهيه ولا تنتفع منه، ويجعلها هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة اليمنية التي تناضل؛ مِن أجل سيادتها وحقوق الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الظلم والاضطهاد، وعليه، يمكن القول إن هذا التحالف سيضيف زيتاً على النار، وسيزيد من التوتر والاحتقان في المنطقة والعالم.
وبناء على ذلك، يتبين أن هذه الادِّعاءات الأمريكية لا تعدو كونها حكاية من ألف ليلة وليلة تنضم إلى ملحمة الكذب والخداع التي تمتد على مر الزمان، فأمريكا تتجاهل القانون الدولي وتنتهك حقوق الشعوب وتهين السيادة الوطنية للدول، وهذا ما يدفعها إلى اللف والدوران لتبرير سياستها الصهيونية في المنطقة، فكما استخدمت المفردات الخادعة مثل “عدم اتساع الصراع” لتقويض أي تحَرّك يساند شعب فلسطين في نضاله المشروع ضد الاحتلال، فَــإنَّها تلجأ إلى عبارة “المصالح الدولية في البحر الأحمر” لنفس الغرض، وبهدف تقويض جهود القوات المسلحة اليمنية الداعمة لقطاع غزة والمتمثلة في منع السفن المتجهة لـ”إسرائيل” من الملاحة في البحر الأحمر.
إن الإنسان المؤمن كالصقر الشامخ لا يقبل بالقيد والسجن، بل يطير دائماً في سماء الحرية والمجد، ويجاهد في درب الحق والعدل، ويواجه كُـلّ الأعداء الذين يريدون أن يحطموا أجنحته ويذلوه، فالضمائر النابضة بالحياة التي تشهد على إخلاص الإيمان، ومبادئ الدين الرفيعة التي ترفع النفس إلى مقامات الفضيلة والتقوى، هي التي تدفع الإنسان على أن يكون وفياً لله ورسوله وللأُمَّـة، وهي التي تشجعه على أن يقف مع إخوانه المظلومين في كُـلّ مكان.
ولهذا فَــإنَّنا لا نهاب من التحَرّكات والتهديدات الأمريكية، بل نستهزئ بها ونتصدى لها، معلنين عن وقوفنا بثبات مع إخواننا في قطاع غزة الذين يتحملون الحصار والقصف والقتل من قبل العدوّ الصهيوني، وندعمهم ونساندهم بكل ما نملك من كلمة وعمل، كمجاهدين في سبيل الله، ننفق من أموالنا وأنفسنا ونصبر على المشقات والمكاره، مستذكرين قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ}.
في الأخير، نقول لأمريكا ولكل من يساندها ويتبعها، إنها إذَا أرادت أن تضمن أمن السفن التي تسير إلى الكيان المحتلّ فلا خيار لها سوى إنهاء الحصار الذي يفرض على أهل غزة والاعتراف بحقهم الإنساني والقانوني والطبيعي في الحياة، وحصولهم على الضروريات مثل الماء والغذاء والدواء والوقود، أما الخيارات الأُخرى فهي تعني المخاطرة بالنار والتسبب في اضطراب أمن المنطقة والعالم.