تنذر حالة التوتر القائمة منذ أيام بين القوات البحرية اليمنية والتحالف الأجنبي الذي تقوده أميركا، بانفجار الوضع عسكرياً في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. فالولايات المتحدة تستميت في محاولتها كسر الحصار الذي تفرضه صنعاء على إسرائيل. وبعدما قامت بإبلاغ عدد من الشركات الدولية التي سبق أن علّقت رحلاتها عبر المضيق بأنه لا توجد أي مخاطر على سفنها غير المتّجهة إلى إسرائيل، لوّحت بأنها ستوفّر الحماية اللازمة لمرور كلّ السفن، بما فيها المتّجهة إلى الكيان، وهو ما تعدّ له صنعاء، وفقاً لمصادر عسكرية تحدّثت إلى «الأخبار»، رداً يفوق توقّعات واشنطن وتحالفها الجديد.وكثّفت القوات البحرية اليمنية انتشارها العسكري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب خلال الساعات الماضية، تزامناً مع حالة استنفار في صفوف قوات الدفاع الساحلي ومختلف وحدات القوات البحرية. وقالت مصادر ملاحية في الحديدة غرب اليمن، لـ«الأخبار»، إن صنعاء نشرت دوريات تقوم بتمشيط المياه الإقليمية وتراقب التحرّكات الأجنبية ومسار السفن في المياه الدولية، بالتزامن مع تسيير طائرات استطلاع محلية الصنع على امتداد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، لتتبّع مسار الملاحة ورصد أي تحركات للقوات الأجنبية قد تعوق عبور السفن وناقلات النفط والغاز المتّجهة إلى موانئ دولية أثناء مرورها.
ومساء أمس، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد، يحيى سريع، أن القوات البحرية، استهدفت السفينة التجارية «سي يونايتد» بصواريخ بحرية مناسبة بعد رفضها 3 نداءات تحذيرية، مشيراً في بيان إلى أن القوات اليمنية قصف أيضاً أهدافاً عسكرية في منطقة أمّ الرشراش (إيلات) ومناطق أخرى في فلسطين المحتلة بعدد من الطائرات المسيرّة.
وكانت قوات صنعاء البحرية قد تمكّنت، خلال نهاية الأسبوع الماضي، من منع عدد من سفن الحاويات المتّجهة إلى موانئ الكيان، من المرور - قبل أن تصل إلى المياه الدولية المقابلة للسواحل اليمنية -، من دون أن تضطر إلى استخدام القوة. لكنّ سفينتين أخريين تلقّتا تطمينات أميركية السبت الماضي بالإبحار، وتعمّدتا تجاهل تحذيرات القوات البحرية اليمنية، فتعرّضت إحداهما للاستهداف بطائرة مُسيّرة، واستجابت الأخرى للتحذيرات وغيّرت مسارها. وقالت المصادر إن السفينة الثانية كانت ترفع علم النروبج وتحمل شحنة كيماويات.
كثّفت القوات البحرية اليمنية انتشارها العسكري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب
وخلافاً لادّعاءات البحرية الأميركية، في بيانها الصادر الأحد، أن المدمّرة «يو أس أس لابون» التابعة لها تمكّنت من اعتراض صاروخين باليستيين وأربع طائرات مُسيّرة أُطلقت على سفينتين جنوب البحر الأحمر مساء السبت، من دون التسبب بأضرار، قالت «هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية» إنها «تلقّت بلاغاً بتعرّض سفينة واحدة لهجوم تحذيري بطائرة مُسيّرة من دون استخدام صواريخ باليستية». كما تجاهل بيان القيادة الأميركية ما تطرّق إليه المتحدث الرسمي لحركة «أنصار الله»، محمد عبد السلام، مساء الأحد، من حالة الارتباك والهلع الكبيريْن اللذيْن تسببت بهما طائرة استطلاع تابعة لصنعاء كانت في مهمة استطلاعية وليست قتالية، في أوساط القوات البحرية الأميركية. وقال عبد السلام، في منشور على منصة «إكس»، إن «طائرة استطلاع تابعة لقوات صنعاء كانت تحلّق في البحر الأحمر وقامت بارجة أميركية بإطلاق النار عليها بشكل هستيري وبأسلحة متنوّعة، ما أدّى إلى سقوط أحد الصواريخ بالقرب من سفينة غابونية»، متهماً واشنطن بتهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وبأنها تحاول تحويل البحر الأحمر إلى ساحة اقتتال.
وتزامنت هذه التطورات مع استمرار تضعضع التحالف البحري الجديد الذي أعلنت الولايات المتحدة تشكيله الأسبوع الماضي، وخاصة بعد انسحاب إسبانيا وفرنسا وإيطاليا منه، وخفض هولندا والنرويج وأستراليا مشاركتها فيه، وهو ما دفع بالمزيد من السفن المتّجهة نحو إسرائيل إلى تغيير مسارها عبر أفريقيا والرجاء الصالح. ورغم إعلان شركة «ميرسك» للملاحة إعادة العبور عبر البحر الأحمر، إلا أن عمليات صنعاء محدّدة ضد سفن الكيان. ولذلك فإن أي سفينة إسرائيلية ستحاول العبور بحماية بارجة أميركية قد تشعل البحر الأحمر.
وحتى الآن، لا تزال الشركات الملاحية الدولية فاقدة للثقة بالتحالف البحري الجديد. ولم يقتصر ذلك على الشركات المرتبطة بإسرائيل، بل إن سفن الشحن الأميركية التي كانت حتى نهاية الأسبوع الماضي تمرّ بانسيابية عبر البحر الأحمر وباب المندب من دون أي مخاطر، قرّرت بشكل مفاجئ، الأحد الفائت، تغيير وجهتها. وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي تهديد من قبل قوات صنعاء للسفن التجارية الأميركية، ولم تتعرّض أي سفينة أميركية منذ منتصف الشهر الماضي لأي اعتراض من قبل القوات البحرية اليمنية كون وجهتها إلى موانئ غير إسرائيلية، إلا أن وكالة «بلومبرغ» أرجعت تلك القرارات إلى أن شركات الشحن الأميركية تلقّت توجيهات قضت بتغيير وجهتها بعيداً عن الممرّات اليمنية، مؤكّدة بدء سفن شحن نفط وغاز تغيير وجهتها صوب رأس الرجاء الصالح بالفعل، رغم أن الإبحار عبر المسار البديل محفوف بالمخاطر في ظل انعدام وجود خدمات لوجستية في الموانئ الأفريقية المشاطئة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف المرور من هناك. وجاءت الخطوة الأميركية بعد ساعات على استهداف مباشر للبوارج الأميركية في البحر الأحمر، حاولت البحرية الأميركية إخفاء نتائجه، إلا أن رسالة صنعاء وصلتها.
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية