وسط انحسار قدرات الدولة على المواجهة، تفاقمت أضرار سيول الأمطار التي تحوّلت إلى فيضانات مدمّرة خلال الأيام الماضية في اليمن، وأدّت إلى سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى وفقدان أعداد أخرى ممن جرفتهم السيول. ومع استمرار هطول الأمطار بغزارة نتيجة منخفض جوي جديد، وفقاً لهيئة الأرصاد في صنعاء، والتي تحذّر بشكل يومي من المرور بالقرب من ممرات السيول وتدعو المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر، دعت وزارة الداخلية إلى تخفيف الحركة وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى. وأدّت الأضرار الناتجة من الأمطار التي تباينت بين محافظة وأخرى، وفقاً لمنظمات دولية ومحلية، إلى تشريد عشرات آلاف الأسر من منازلها، وتضرّر نحو 300 ألف مواطن في المناطق الساحلية الواقعة في محافظتي الحديدة وحجة. وحتى أمس، أشارت مصادر محلية إلى نزوح أكثر من 50 ألف مواطن من الحديدة. وفي حجّة، تضرّر الآلاف من النازحين الذين يقطنون في مخيمات مهترئة في منطقة عيس. كما طاولت الأضرار مخيمات النازحين في محافظة مأرب ومنطقة الخوخة الواقعة على الساحل الغربي للبلاد.
كذلك، أكدت مصادر محلية في صنعاء، لـ"الأخبار"، تضرّر العشرات من المنازل التاريخية في المدينة القديمة التي يصل عمرها إلى نحو 100 عام، وتصاعد المخاطر على سكان المدينة بسبب فيضان سائلة صنعاء التي تُعد أكبر ممر مائي لنفاذ سيول الأمطار إلى خارج العاصمة. وللمرة الأولى منذ عشر سنوات، تفيض السائلة بالسيول، وهو ما يهدّد المباني التاريخية بالانهيار.
وفي الوقت الذي حاولت فيه السلطات المحلية في المحافظات تخفيف تداعيات السيول الجارفة باتخاذ إجراءات وقائية تحول دون سقوط المزيد من الضحايا، علمت "الأخبار"، من مصادر في محافظة حجة، بسقوط 19 قتيلاً جراء سيول الأمطار والعواصف الرعدية حتى أمس، فيما سقط عدد من الضحايا في محافظة إب، ولا يزال البحث جارياً عن عدد آخر في مجاري السيول منذ أيام. وفي هذا الإطار، قدّر مصدر حكومي في صنعاء أعداد الضحايا من المواطنين بنحو 90 حالة وفاة حتى أمس، وأشار، في حديث إلى "الأخبار"، إلى أن الأرقام مرشّحة للارتفاع، وأن ما تم إعلانه من إحصائيات عن الخسائر البشرية والمادية، مجرد أرقام أولية.
الفيضانات تعمّ المحافظات الشمالية والجنوبية وتوقع أكثر من 90 قتيلاً
وعلى رغم تشكيل حكومة صنعاء لجنة خاصة بأضرار السيول، إلا أن الأضرار تفوق القدرات الحكومية. فعلى مدى الأيام الماضية، جرفت السيول بنى تحتية ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية في عدد من الأودية في محافظة الحديدة، كما أدّت إلى تدمير عدد من الجسور الرابطة بين المحافظات، وجرف طرقات رئيسية، وانقطاع عدد آخر من الطرقات الفرعية الرابطة بين المناطق الحضرية والريفية، ما أعاق حركة التنقل بين المحافظات.
وعلى رغم تسبّب سيول الأمطار خلال السنوات الماضية بأضرار في عدد من المحافظات اليمنية، إلا أنها كانت محدودة مقارنة بالسنة الحالية. ووفقاً لإحصائيات أممية، فإن السيول هذا العام أدّت إلى سقوط منازل معمّرة وتاريخية، وجرفت العشرات من المحال التجارية، وتسبّبت بأضرار واسعة لعدد من الأسواق الشعبية في مناطق جنوب الحديدة وحجة وصعدة ومأرب وتعز. واتّسع نطاق الأضرار إلى المحافظات الجنوبية، حيث ذكرت مصادر محلية في محافظة أبين أن السيول جرفت عشرات المزارع وأدّت إلى انقطاع الطرقات وسقوط ضحايا. وخلال الساعات الماضية، شهدت محافظات لحج وعدن وشبوة، هي الأخرى، أمطاراً غزيرة للمرة الأولى. وعلى خلفية ذلك، أطلقت الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي أكثر من نداء إنساني للدول المانحة، مطالبة بتقديم مساعدات إغاثية عاجلة للمتضررين من السيول.
بدوره، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، عبر منصة "إكس" أنه "على مدى الأسابيع الماضية، تسبّبت الأمطار الغزيرة والفيضانات الواسعة النطاق بإتلاف منازل وملاجئ المجتمعات المضيفة والنازحين داخلياً، وبعضها لا يمكن إصلاحه"، مؤكدة أن "البنية التحتية العامة تضرّرت بسبب السيول، بما في ذلك المدارس والطرق والمرافق الصحية. كما جرف النزاع سبل العيش التي كانت معلقة بخيط رفيع". وذكر التقرير أن "عدد الأسر المتضررة خلال الشهر الجاري، بلغ نحو 19575 أسرة في حجة والحديدة، و9769 أسرة في مأرب، و5321 أسرة في تعز، و3620 أسرة في صعدة، ليصل إجمالي الأسر المتضررة إلى 38285 أسرة (ما يقرب من 268000 شخص)". وأكّد المكتب أن "محافظات الحديدة وحجة ومأرب وصعدة وتعز من بين المحافظات الأكثر تضرراً"، متوقّعاً أن "يستمر الطقس القاسي حتى أيلول".
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية