بين الحرب الإعلامية الطاحنة والدائرة رحاها بالشكل الأكثف في السنوات الثلاث الأخيرة، والتغطية الإعلامية للحرب في الأشهر الثلاث الأخيرة، قاسم مشترك واضح: الانقسام الحاد بين معسكر إعلامي يقاوم وآخر يقاتل المقاومة. بكلام أدقّ، إعلام حرّ وآخر خاضع، إعلام يحكي لغة أهل هذه الأرض، بكلّ لهجاتها وتنوعّاتها، وآخر ينطق بالعربية تمويهًا لعبرية مفاهيمه، وصهيونية طروحاته، إعلام يقول كلمتنا، نحن أهل المقاومة، في كلّ ملامحه، وآخر يقول ما تفرضه "عوكر" تعليمة بعد أخرى، في كلّ تفاصيل ما يقدّم.. إعلام يتنافس العاملون فيه على مراتب المصداقية والحقيقة، وآخر يتنافس المشغَّلون في إطاره على حضيض الكذب والتضليل.. إعلامنا نحن، وآخر هو إعلام الأمركة.
في الأيام التي سبقت اندلاع معارك طوفان الأقصى، بدءًا من فلسطين وصولًا إلى اليمن، مرورًا بالعراق وبلبنان، اتخذت الحرب الإعلامية بين المعسكرين طابعًا يكثّف سمات كلّ معسكر منهما، فالمعسكر المقاوم اعتمد الصدق والشفافية ومقاربة الوقائع كما هي، والمعسكر العوكري اعتمد الكذب والتعمية وتعميم الأوهام والأضاليل. حتى إذا حان ميقات المواجهة على الأرض، بين الصهاينة ومعهم الغرب كله، وبين المقاومة ومنها كلّ أهل الأرض، تكثّفت السمات في كلّ فرد من الإعلاميين بحسب المعسكر الذي ينتمي إليه، فرأينا، ممّا رأينا، إعلاما يزفّ الشهداء على طريق القدس، وآخر يستميت أفراده في التهويل وبثّ الانهزامية، صونًا لماء وجه الصهاينة المراق والآسن.. ورأينا إعلاما يبشّر بقرب انتصار الدم على السيف ويرفع الروح المعنوية المقاتلة في صفوف الناس، وآخر يصيغ أمنياته على شكل شعارات تجمّل الخيانة وتعمّم لفكرة "حريّة التعبير" عن العمالة. الحسن في الأمر أن زالت المنطقة الرمادية التي يعيث بها بعض الإعلام أحيانًا تحت مسمّى الحياد وادعاءً للموضوعية، فقد ساهم غبار المعركة بتوضيح المشهد وفرضت النار على الكلّ ضرورة التموضع الواضح: مع المقاومة بكل تشكيلاتها في محور الشرف أو مع الصهاينة بكل تصنيفاتهم في محور الشر، ولا منتصف بين المحورين، لا وسط.
نقترب من نهاية عام ٢٠٢٣ والذي شكّل الفصل الأخير منه امتحانًا للإعلام بشكل خاص: امتحان فاز فيه من تمسّك بجمر الحق في قبضته ورفع روحه على كفّه في العمل الميداني، من يناصر الحقيقة التي تقول بحتمية النصر واليقين به، من يشعر باللهفة الصادقة كي يكون جزءًا من انتصار المقاومة مستخدمًا أدواته كإعلامي وصحافي سلاحًا ضد العدو.. أما الساقطون، فهم أهل الخيبات المتلاحقة، مهما استماتوا في سبيل صناعة مشهد الانهزامية أو في ترجمة أحلامهم في خبر عن مجتمع يخضع بكلّه إلى عوكرهم، ومهما بالغوا في تصوير ما يسمّونه التفوق الصهيوني، مهما استضافوا من وجوه وأسماء "إسرائيلية" الهويّة أو الهوى، ومهما ضللوا..
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري