كشفت الأحداث الأخيرة في غزة على وجه الخصوص زيف ادعاء دول ما يسمى «العالم الغربي» الذي يصنف نفسه بالمتحضر المدعي للديمقراطية، المزايد بحقوق الإنسان، المتاجر بلافتات الحريات؛ أنهم باعوا لشعوب العالم الوهم، ووظفوا كل شيء لاستمرار نهجهم الاستعماري للوصول إلى مطامعهم المتوارية تحت كل تلك العناوين الكاذبة.
غزة الـ7 من تشرين الأول/ أكتوبر أسقطت الأقنعة التي حاصرتها لأكثر من عقد ونصف، وأحرجت عملاء الدول الاستعمارية أمام الشعوب المحكومة بقبضاتهم البوليسية وسيطرتهم الخانقة لأنفاسهم، الكاتمة لأصواتهم، المدجنة لحياتهم، المبددة لقيمهم ومبادئهم وحريتهم، ليصبحوا بلا قضية ولا يقدرون على التحرك أمام المسخ المُمارس لهويتهم الإسلامية من قبل القوى المسيطرة على الحكم وتقطيع أوصالهم، فلا يقدرون على اتخاذ أي موقف، وهذا تأكيد لحالة العجز أمام كل ما قام به كيان الاحتلال في المنطقة العربية أكثر من سبعة عقود، فيما يتداعى الغرب الكافر ويشكل التحالفات ويجيش الجيوش ويسقط حكام الدول الإسلامية، رغم أنهم كانوا جزءاً من المؤامرة وأداة من الأدوات.
هاجم الغرب العراق ووقفت بقية البلدان العربية تتفرج، بل وساهمت دول الهوان وفتحت الأجواء وسخّرت المطارات ودفعت الأموال، فقتل وشرد ودمر ومارس أبشع سلوكيات المحتل، حتى نبتت مقاومة حملت المشروع وشخصت المشكلة وحددت خطة التحرك وطردت الأمريكان وأذنابهم.
بعد ذلك حان وقت تغيير «الشرق الأوسط الجديد»، وتداول الصليبيون العنوان قبل أكثر من عقد. وكشعوب ضاقت من جور وفساد حكامها اعتقد الكثير أن الذي سيستجد هي الديمقراطية التي رسخها إعلامهم، والتقدم والازدهار الذي تم الترويج له من الدول الاستعمارية. لم تكن قد تبينت ملامح المشروع الغربي الذي لا يعمل من أجل حرية الشعوب ولا للديمقراطية، ونفذت أجندة فوضى لتحقيق مصالح الصهاينة واستكمال أحجية الماسونية في «شقلبة» المنطقة والتنكيل بشعوبها، الهدف منه انفتاح السعودية وظهور زنانير الكيان الإماراتي، حتى جاء ما أطلق عليه «الربيع العبري» الذي أسقط حكاماً لا يؤسف عليهم وأدخل شعوب ليبيا واليمن وتونس في فوضى وصراع مدمر، بينما تعثر السيناريو في سورية ومصر... إلخ.
مخاض طويل لم يكن قد تبينت ملامحه حتى وصل الرئيس الأمريكي السابق ترامب للسلطة، وتكشف المخطط لتتوافد الأنظمة الحاكمة في المنطقة لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية وإعلان بيعة التطبيع والتبعية للكيان الصهيوني كـ»قوة عظمى» مُسلم بسيطرتها على منطقتنا. وكانت معضلة دول الاستكبار صمود وثبات وقوة حزب الله في لبنان، وتصاعد قوة أنصار الله في اليمن، فمن يراجع الأحداث منذ العام 2000 ويتأمل فيها وبمقدوره ربط المجريات سياسياً وميدانياً سيصل إلى نتيجة أن كل ما مر مخطط ليس بجديد واستعمار مبطن، وأتذكر قول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في إحدى محاضراته، حيث قال ما معناه إن الأمريكي والبريطاني والصهيوني لن يأتوا بيهودي بزنانير ليحكم، ولكن سيأتون بمن يلبس لبسك ويتقمص هويتك... وهذا هو ما يحصل ويتضح عند رؤية من يحكم دول المنطقة يومنا هذا.
هل ما يحصل في بلاد الحرمين اليوم كان في الحُسبان ومتوقعاً رؤيته؟! تحول لا يتصوره العقل، من أقصى يمين التشدد المتطرف إلى أقصى الشمال المنحرف! هل العدوان على اليمن، الذي جمع 17 دولة لقرابة تسع سنوات وتحشيد عشرات الآلاف من المرتزقة، وما خفي أعظم، كان لـ»إعادة الشرعية» كما تم الترويج له، وصدرت لأجله القرارات الدولية التي تعجز اليوم عن وقف إطلاق نار إنساني تجاه ما يجري في غزة؟! أم أن الهدف أن هناك مشكلة استجدت وأربكت المخطط المعد سلفاً أمام تنامي المشروع الثوري الذي لا يمكن السيطرة عليه؟! واقع قرآني لدولة لا تقبل التبعية، وقيادة لم يُحسب لها حساب حتى أصبحت أمراً واقعاً وشروقاً لن يغيب، أجهض محاولات الغرب في إعادة عقارب المجريات إلى الوراء، رغم التضليل والشيطنة والدمار والقتل والمؤامرات واللعب بالأوراق المناطقية والمذهبية على شاكلة أقيال ونعرات وسنة وشيعة، وفشلت كل المخططات، وصمد المشروع القرآني ببركة وجود القيادة الثورية.
السابع من أكتوبر هو يوم من أيام الله لم يكن في حُسبان العالم المستكبر والمتصهين، تاريخ وحدث كان العالم الإسلامي في أمسّ الحاجة إليه لتوجيه الصفعة للاستكبار العالمي، ولتستفيق الشعوب من سباتها وتتساقط أقنعة الحكام الآمرين بشرعية أمريكا المتربعين بصكوك الولاية من شياطين الهيكل واللوبي العميق للدولة الاستعمارية، فقد أطلقت غزة العز شرارة التحرك وأشعلت فتيل البارود الذي حاصر المخطط الصهيوني وقلب الطاولة على وجوه أتباع السامري ومرتزقتهم من حديثي الجغرافيا الذين تزامن وجودهم بوجود الكيان الصهيوني.
غزة عرّت العالم، دولاً ومنظمات وهيئات وعملاء وقوانين، وأثبتت أن مبادئ وقيم النظام الدولي، التي تم الترويج لها لعقود، مجرد سراب وأكبر كذبة وقع فيها المسلمون. معركة غزة ميزت الخبيث من الطيب والحق من الباطل، وأسقطت ونسفت كل ما عملت عليه الصهيونية العالمية لأكثر من عشرين عاماً من شيطنة وتشويه اليمن شعباً ومشروعاً وقيادة، واليوم غزة الاختيار الصعب والقاسي من ثمارها وخيراتها أنها وضحت للأمة الإسلامية حقيقة ما يتميز به اليمن وقاتل العالم من أجل القضاء عليه.
من محاضرات الشهيد القائد (رضوان الله عليه) قوله: «اصرخوا وستجدون من يصرخ معكم في كل مكان. اصرخوا في وجه أمريكا وستعمل لكم ألف حساب».
صدق السابقون في الحروب الأولى عندما كانوا يقولون: نحن نحارب أمريكا و»إسرائيل»، بينما كانت السلطة آنذاك تسخر من كلامهم، لكن أثبتت الأيام أنهم كانوا على صواب وموقف حق. رحمهم الله أجمعين، ورعى من مازال منهم على قيد الحياة. وهنا أكدت الأحداث اليوم عظمة ذلك الفكر وبصيرة الشهيد القائد وأمان المشروع القرآني مستقبلاً للتحرر وتحقيق الانتصار ونيل التغيير وبناء الأمة الحرة وإقامة الدولة العادلة إن شاء الله.
* نقلا عن : لا ميديا