لا تزال الحالة الصعبة التي صنعتها أمريكا لنفسها تثير سخرية العالم، خصوصا مع تآكل هيبتها في البحر الأحمر.
الخميس استهجن رئيس الوزراء الماليزي، التحركات الأمريكية العبثية في المنطقة، شكلا ومضمونا، وقال: نرى أكبر دولة في العالم شكلت تحالفاً على أفقر دولة في العالم.. لماذا؟.. لكي تتمكن إسرائيل من قتل الفلسطينيين.
والأمر على هذا الحال لا شك أنه أصبح يمثل تهديدا حقيقيا على مستقبل هذه الدولة المارقة لتي تريد فرض إرادتها على العالم بأي وسيلة كانت، خصوصا وأن أحداث البحر الأحمر وباب المندب فضحت اصطفافها السافر إلى جانب الإبادة الصهيونية في غزة، فضلا عن ما كشفت عنه العمليات اليمنية من هشاشة البعبع الأمريكي على الأقل في هذه المعركة، ليس فقط على مستوى حماية الملاحة الإسرائيلية وإنما على مستوى فرض التأثير على الدول للانضمام إلى تحالفها الفاشل، وهو أمر عزز حقيقة أن العصا الأمريكية ما عادت تخيف العالم كي ينخرط معها في معاركها الطائشة، كما كشف الضعف الأمريكي بتمرير إرادته وكسر التوجيهات اليمنية عن واقع تحرُر منطقة البحر الأحمر من هيمنة البنتاجون.
وفق هذه المعطيات، صار على واشنطن أن ترفع مستوى النظر والتعامل مع الدول بصورة أرقى وأكثر احتراما، وأن تغادر جنون العظمة وتعيش واقعها كما هو بلا مكابرة، على الأقل حتى يمكن تقبلها والتعامل معها مستقبلا.
الصورة الذهنية الوهمية التي ظلت أمريكا طوال العقود الماضية تفرض تفاصيلها كقوة عظمى وحيدة بالحديد والنار، بأعمال البلطجة وتجاوز الإرادة الدولية، اختلفت وما عادت تمثل إلا أساساً للشر ضد كل العالم بما فيهم الدول الحليفة.
ولأن اللوبي الصهيوني كان دائما الداعم والمساند لفرض هيمنة هذه القوة الشريرة على العالم، كان من الطبيعي أن يتعامل البيت الأبيض مع الكيان الصهيوني باعتباره خطاً أحمر لا يمكن المساس به، وإن كان وجوده أصلا غير شرعي ولا قانوني في الأراضي العربية المحتلة.
من هذا الكشف الذي قد لا تبدو تداعياته واضحة بعد، إلا أن مؤشرات هذه التداعيات يعكسها اتساع رقعة الرافضين لسياستها، وبالنسبة للمنطقة العربية فيكفي أن دولها بدأت تتحفظ على المواقف الأمريكية وهي تشهد تآكل هيبة الأمريكي في البحر الأحمر وتعنته في الدفاع عن ممارسات الإبادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
التحفظات التي لا تزال دون المأمول من دولنا العربية، إلا أنها تشير إلى واقع متغير كسر تلك الهالة الأمريكية، التي كانت تفرض على الجميع التماهي مع مجرد التصريحات الخارجة من البيت الأبيض والعمل بها وكأنها فرمانات لا نقاش فيها.
أمريكا لم يعد بمقدورها استعادة ذات الأثر لحضورها – كما كان بالأمس – وعليها أن تقرأ ذلك بعناية من خلال آخر المعطيات، بدءاً من رفض العالم لممارساتها في البحر الأحمر مرورا بعجزها وهي التي أرادت أن تتحدى وتفرض إرادتها في البحر وتوصل السفن إلى الكيان، وصولا إلى قتلاها الأسبوع الماضي في الحدود السورية العراقية، وهو الحدث الذي اظهر بأن الأمريكي صار في مرمى الهدف دون اعتبار لغطرسة واشنطن وقادة البنتاجون وزعيقها العبثي، وأنها أصبحت محط عقاب على ما تقترفه من تجاوزات بحق شعوب المنطقة، والأولى لها أن تنصرف على الأقل لحل مشاكلها الداخلية، من الديون التي أشعلت بها الحروب حول العالم، إلى واقع الاتحاد الذي ينذر بالتفكك، فذاك على الأقل سيُبقي لها وجوداً كدولة.
*نقلا عن :الثورة نت