نحن منذ زمن نخوض معركة وجود مصيرية ونحمل يقيناً مطلقاً بالانتصار فيها وإن طال زمنها، فالحق قد يبدأ أنيناً ووجعاً، ولكنه ينتهي بزئير ملؤه نقم، وقد قالت الأيّام ذلك لمن ألقى السمع أَو كان بصيراً، فحين بدأ العدوان في شن غاراته لم نكن شيئاً مذكوراً وبعد تسع سنين أصبحنا نستطيع الدفاع والوصول إلى عقر دار الطائرات التي تقصفنا ليلَ نهارَ دون اكتراث وفي تحدٍّ صارخ للقوانين وحقوق الإنسان، وكأن دماء أهل اليمن أصبحت هدفاً مستباحاً للمجتمع الدولي وللقوانين الدولية التي تستيقظ إذَا مارس أهل اليمن حق الدفاع المشروع عن أرضهم وعرضهم وعن فلسطين، ولكنها قد تغط في النوم العميق إذَا قصف العدوان المدن والمساكن واستهدف المواطنين المدنيين الآمنين في بيوتهم ومساكنهم، لم نسمع تنديداً واحداً بجرائم العدوان القديمة ولا الجديدة ومن المحال أن نسمع عن جرائمه الجديدة، وقد قتل الأسر الآمنة في بيوتها، ومارس طغيان الإبادة الجماعية في فلسطين جوعاً وقتلاً، ومثل ذلك قد حدث من قبل في اليمن فسكت العالم، ولكنا سمعنا صراخ العالم حين ردّدنا دفاعاً عن أنفسنا بحجج واهية
أصبح العالم من غير معيارية أخلاقية ثابتة ولذلك فهو يستهلك المبادئ التي كان يحكم العالم بها، فالنظام الدولي الجديد يفت في عضد المبادئ التي كانت معياراً يستطيع من خلالها حكم العالم وتنظيم مساراته حتى يكون خاضعاً لمصالحه، وبالتالي نستطيع القول إن اليمن تنتصر وفق وعد الله وسننه وفطرته التي جاء بيانها بكل جلاء ووضوح في سورة آل عمران؛ فالضرر لن يكون إلا أذى وسوف يولون الأدبار ثم لا ينصرون.
لقد أصبح الأمر بيناً واضحًا لكل ذي لب وعقل يستطيع التدبر والتفكر في قوانين الله في محكم الذكر المبين، ولا عزاء للذين غرهم بالله الغرور وأعجبهم زخرف القول وظنوا شركاً أن الباطل سوف ينتصر على الحق، وقد جاءتهم آيات الله وكانوا من المعرضين عنها وعن تدبرها.
اليوم نستطيع أن نقول ما قاله الصماد لهم في سالف الأيّام والأعوام: ليس لدينا ما نخسره فقد قصفوا الحجر والشجر والبشر ولم نعد نملك من المقدرات سوى الكرامة الوطنية وعزة الدين ومن المستحيل على أهل اليمن التفريط فيهما، وسيظل أهل اليمن يقاتلون حتى ينالوا إحدى الحسنين: إما النصر، أَو الشهادة، فهم على اتساق تام مع مبادئ أهل بيت النبوة في ذلك اتساقاً ثقافيًّا وتاريخيًّا، ولمن لا يعرف أهل اليمن عليه أن يقرأ تاريخهم في جاهليتهم وفي إسلامهم حتى يدرك هذه الحقيقة التي لا مِراءَ فيها.
لن يمر قصف صنعاء دون رد رادع يشفي قلوب قوم مؤمنين، كما أكّـد على ذلك قائد الثورة في جلّ خطاباته المناصرة لغزة وللأقصى، وقد قرأنا في منصات التواصل الاجتماعي -حين أرسلت صنعاء رسائل التحذير إلى لندن وواشنطن– تفاعل الناس، وقرأنا في تغريداتهم ومنشوراتهم التفاعلية فرحاً عارماً، وكان هناك إجماع غير مسبوق من المناصرين لصنعاء ومن أعدائها بتأييد النشاط العسكري المناصر لغزة التي هشمت أنوف دول الاستكبار العالمي، ونالت من كبرياء الصهاينة والأمريكان والبريطانيين وغيرهم، حتى أصبح طيرانهم يمارس جنوناً وتخبطاً وقلقاً نفسياً ووجودياً قرأناه في ردود أفعالهم التي تفتقر إلى أبسط الأسس في التفاعل الأخلاقي التي يتوافق الكل على ضوابطها في الحروب.
قصف الأحياء السكنية يندرج ضمن جرائم الحروب التي لن تسقط بالتقادم، وهو ليس تعبيراً عن القوة بل دال على السقوط القيمي والأخلاقي، ولن يحقّق للأمريكان نصراً بل سوف يعمل على إعادة رسم الخارطة وتموضع القوى الإقليمية وتحديد مراكز القوة في المنطقة، وهو بذلك سوف يقضي على أوهام النظام العالمي القديم في الحضور والتمكين، وفي المركزيات الاقتصادية والسياسية التي ظنوا -من خلال نشاطهم العسكري- أنهم قادرون على صياغتها في الجزيرة والخليج وفي خارطة الشرق الأوسط الذي أرادوه جديدًا لكن لن يكون جديدًا وفق ما أرادوه بل جديدٌ وفق ما تمليه حركةُ المقاومة الإسلامية، ومصالح محور المقاومة ومن بعدهم القوة الاقتصادية الجديدة البازغة من بين أنياب التنين الصيني وتحالفاته الجديدة مع الروس.
اليوم النظام القديم الممثل بالدول الصناعية الكبرى الست يخوض صراعًا جديدًا يسعى من خلاله على الحفاظ على مكتسباته القديمة، لكن الأمرَ بدأ يفلت من يده بدليل القدرة للبازغ الجديد على فرض أجنداته؛ فالصراع بين الاتّحاد الأُورُوبي والروس على الطاقة والتحكم بها وممارسة الضغوط بالتنسيق مع الصين يجعل المعادلة غير متزنة مع مصالح النظام القديم بل يفرض حالة توازن جديدة، وحالة تموضع جديدة لحركة المصالح الدولية، وهو بذلك يعيد صياغة النظام الدولي بما يتسق ومصالح الكل.
قد يكون نالنا -نحن في اليمن– أذى كَثيراً، لكن ذلك الأذى لا نراه إلا صَهْراً حتى يميز الله الخبيث من الطيب، فنحن حملنا منذ ثورة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، همّ التحول في مسارات الأمم وذلك قدر الله لنا، وَهو قدر صاحبنا منذ فجر التاريخ؛ فقد كانت اليمن كدولة ذات عمق تاريخي وحضاري تسابق الأمم إليه مع كُـلّ رسالة سماوية تحمل حركة تحولية في مسارات البشرية.
ولذلك لن يستطيع التحالف الجديد في البحر الأحمر الذي أطلق مسمى “حارس الرفاه” -مهما تكالب علينا وحشد العالم كله إلى البحر الأحمر- أن يغير في سنن الله في كونه؛ فنحن في اليمن واثقون من قول الله تعالى: “ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ”، وسوف ننتصر حسب وعد الله للمؤمنين.
*نقلا عن : موقع أنصار الله