فصول الحرب والتجويع والتهجير لم تنتهِ في قطاع غزّة، والدعم المالي والسياسي والأطنان من الأسلحة الأميركية تتوالى تباعًا إلى المجرم الصهيوني لاستكمال جرائم حرب الإبادة الجماعية وتدمير البيوت الآمنة على رؤوس ساكنيها.
برك الدماء الفلسطينية يحول بينها وبين التدفق لهزّ الضمائر الإنسانية الميتة جبال من الأكاذيب الغربية ومحيطات من الخداع وألاعيب السحرة في البيت الأبيض الذين يجيدون لعبة التخفي وتقمص دور راعي الحقوق والحريات وحامي حمى الإنسانية جمعاء.
الجوع بلغ مبلغه في غزّة، وصدى المجاعة لم يعد يحجبها بعد المسافة، وقطع أثير الاتّصالات، ولا تخفيها تكنولوجيا الدعاية والإيهام، والمأساة الإنسانية تسللت كضوء الشمس لتطرق أسماع العالم وتفتح الأعين المغلقة.
بالنيران الإسرائيلية يموت المئات من السكان في غزّة يوميًّا والجوع يفتك بالآلاف ويتهدّد حياة أكثر من مليوني فلسطيني، بينما أطنان من المواد الغذائية ما تزال خلف المنافذ والمعابر الحدودية يمنع العدوّ إدخالها ويغض الغرب الكافر الطرف عن هذه الجرائم المركّبة. واشنطن بالفيتو في مجلس الأمن ومالها وعتادها وجيشها الداعم للوحشية الصهيونية في وحشيتها تذهب للحديث عن إنزال جوي للمساعدات الإنسانية في غزّة، وكأنها بهذا الإجراء توجّه دول العالم بالكفّ عن مطالب فتح المعابر البرية في القطاع المحاصر فتلك مسألة لا يبت فيها إلا قادة العدوّ الإسرائيلي.
وأيًا كان مقدار المساعدات من الجو ومحتواها فهي وسيلة العاجز، والخائن كما هو حال الأردن ومصر، وأميركا بالطبع ليست عاجزة عن إلزام إدخال الغذاء والدواء والوقود لتشغيل المستشفيات ومعالجة الجرحى والمرضى، فلها من الأوراق ما يكفي لتحقيق هذا الهدف لكن دعاية المساعدات ضرورية في هذه المرحلة لتحسين الصورة الأميركية الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني المظلوم والمعتدى عليه.
في اليمن، الحاجة للدعاية وتزييف الحقائق لا تختلف، وأميركا العاجزة عسكريًا عن منع العمليات المساندة لغزّة في البحر الأحمر، تكثر من ضجيجها وتهويلها الدولي للتغطية على فشلها العسكري تارة بالحديث عن المخاطر البيئية نتيجة استهداف السفن وتارة أخرى بالحديث عن كابلات الاتّصالات البحرية.
وبعد عشرة أيام من استهدافها أعلن الجيش الأميركي غرق السفينة البريطانية "روبيمار" في البحر الأحمر، وبدلًا من الإجابة عن جدوى الاعتداءات على اليمن ومزاعم تقويض القدرات اليمنية كتبت القيادة المركزية الأميركية على موقع إكس "ما يقرب من 21 ألف طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم التي كانت تحملها السفينة البريطانية تمثل خطرًا بيئيًا في البحر الأحمر".
قبل ذلك سبق وتبنت الخارجية الأميركية حملة دعائية لشيطنة العمليات اليمنية في البحر الأحمر بمزاعم استهداف سفينة "Sea Champion" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية وهي في طريقها إلى مدينة عدن.
أميركا التي تتذرع بالشحن الدولي والإمدادات الغذائية في جميع أنحاء العالم وكذلك البيئة البحرية، لا تكترث لحملة التجويع والقتل الوحشي في غزّة، بل وتدعمها بكلّ وسائل القتل والتدمير، ونظرًا إلى أن الحملات تحت هذه العناوين لم تلقَ صداها على الصعيد الدولي، روّج الإعلام الصهيوني والأميركي كذبة تعرّض اليمن للكابلات البحرية الدولية في البحر الأحمر، وهو ما نفته الخارجية في صنعاء مؤكدة أن قرار منع مرور السفن الإسرائيلية لا يخص السفن التابعة للشركات الدولية المرخص لها بتنفيذ الأعمال البحرية للكابلات في المياه اليمنية.
وما سبق لم يكن سوى مقدمة لعمل عدائي من السفن الأميركية البريطانية أصاب الكابلات بخلل، الأمر الذي عرّض أمن وسلامة الاتّصالات الدولية والتدفق الطبيعي للمعلومات للخطر.
لا التهديدات الأميركية ولا الاعتداءات أجبرت اليمن على منع عملياته المساندة لغزّة ومقاومتها الباسلة، ولا حرب الدعاية والتضليل يمكن أن تؤثر، إذ أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية السبت الثاني من مارس/أذار تلقيها معلومات عن هجوم استهدف سفينة بريطانية على بعد 15 ميلاً بحريًا غربي ميناء المخا، وأضافت الهيئة في مذكرة: "قاد الطاقم السفينة إلى مرساة، فقامت السلطات العسكرية بإجلائه".
وإذا كانت غزّة بأحداثها ومآسيها قد عرّت الإنسانية الأميركية الغربية الزائفة، وأسقطت مجدّدًا أسطورة الجيش الذي لا يقهر بصمودها وتضحيات مقاتليها، فإنّ اليمن يكتب التاريخ في البحر الأحمر ويعيد صياغة المعادلات من جديد في المنطقة والإقليم.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري