ملخص:
مرت العلاقات الصينية - "الإسرائيلية" بثلاث مراحل: الخمسينيات والستينيات، مرحلة "ماو تسي تونغ"، القطيعة الكلية مع الكيان ودعم الصين للمقاومة؛ السبعينيات والثمانينيات، مرحلة الانفتاح على الغرب والعلاقات السرية مع "إسرائيل"؛ التسعينيات، مرحلة التطبيع الكامل. والموقف الراهن من القضية الفلسطينية هو نتيجة لهذا التطور التاريخي للعلاقة بين الطرفين.
رغم أن حزباً اشتراكياً يحكم الصين إلا أنها على مستوى التجارة الخارجية جزء من الاقتصاد التجاري الرأسمالي العالمي. الصين أيضاً جزء من صعود الشرق المناهض للأحادية القطبية الأمريكية؛ لكن توسعها الاقتصادي يجعلها تتبنى مواقف سياسية متذبذبة بين الشرق والغرب، خصوصاً في القضية الفلسطينية، فالصراع "العربي الإسلامي الإسرائيلي" هو بؤرة الصدام الرئيسية بين الشرق والغرب، وليس مصادفة أن أول ما تقوم به الحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينية طرد السفير "الإسرائيلي"، فيما تعيده الحكومات اليمينية؛ لكن الأمر في الصين مختلف، فبكين تتعامل بازدواجية ونوع من الانتهازية الرأسمالية في محاولة كسب المصالح من الطرفين معا، الفلسطيني و"الإسرائيلي"، كما أن حزبها سلطوي لا شعبي ثوري.
تعتبر الصين نفسها صديقاً وشريكاً تجارياً لـ"إسرائيل" (الشريك التجاري الثاني بعد الولايات المتحدة). ورغم أن مصلحتها الاقتصادية مع "إسرائيل" إلا أن موقفها السياسي مع فلسطين بشكل علني وواضح ويتصادم مع الاستراتيجية الصهيونية ومع مستقبل الكيان، وهذا الأمر يثير سخط الجانب "الإسرائيلي".
منذ بداية "طوفان الأقصى" حاولت بكين أن يكون موقفها تجاه الحرب محايداً، إلا أنها تبنت الرواية الفلسطينية لـ"طوفان الأقصى"؛ إذ يرى "الإسرائيليون" أنها لم تكن موضوعية في موقفها وانحازت للعرب (رغم كونها تعتبر نفسها صديقاً لـ"إسرائيل"). كما أعلنت الصين أنها تكافح "معاداة السامية"، لكن منصات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية والخطاب العام في الصين مساند للقضية الفلسطينية، ومنصة "تيك توك" الصينية لا تحذف المحتوى الداعم للمقاومة.
الازدواجية السياسية الصينية جزء من سياستها الخارجية، إذ تحتفظ الصين بعلاقات معقدة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، والتي تريد في إطارها الحفاظ على العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال باعتبارها بوابة أوروبا، ولكن في الوقت نفسه، تسعى الصين إلى ترسيخ نفسها كزعيم لدول الجنوب العالمي النامية، من خلال دعم الفلسطينيين علناً، والوقوف مع حقهم في تقرير المصير، والدفاع عن خيار الكفاح المسلح في فرض حق تقرير المصير، كما جاء في تصريح ممثل الصين أمام محكمة العدل الدولية في شباط/ فبراير الماضي 2024.
وقفت الصين في مجلس الأمن بقوة مع الجانب الفلسطيني واستخدمت حق الفيتو ضد قرار أمريكي، ودعمت مشاريع القرار الروسي والجزائري الذي يقضي بوقف إطلاق النار، إضافة إلى دعم موقف جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، وإلى جانب كون ذلك ينسجم مع موقفها السياسي من الصراع، فهي تريد وقف إطلاق النار والسلام وتخشى من اتساع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية، فمن شأن ذلك أن يؤثر على اقتصادها الذي يعتمد بالدرجة الأولى على واردات النفط والغاز من الخليج وإيران، ولذا نقلت رسائل للتهدئة بين واشنطن وصنعاء.
كما أن الصين قلقة أيضاً من توسع الحرب في البحر الأحمر والعسكرة الأمريكية له، حيث تمر تجارتها الخارجية، لهذا وقفت مع الرواية اليمنية بأن سبب الأزمة في البحر الأحمر هو الصراع الدائر في غزة، وأدنت العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن واعتبرته غير قانوني وانتهاكا للسيادة الوطنية لليمن.
التقرير كاملاً:
مرت العلاقات الصينية - "الإسرائيلية" بثلاث مراحل، المرحلة الأولى مرحلة ماو تسي تونغ من الخمسينيات حتى بداية السبعينيات، في ظل الصين الاشتراكية المعادية للرأسمالية بصورة قطعية، ثم المرحلة الثانية مرحلة ما بعد ماو تسي تونغ مع بداية الانفتاح الصيني على الرأسمالية، والمرحلة الثالثة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي العالمي وبداية مرحلة الأحادية القطبية الأمريكية وعقب التطبيع العربي والفلسطيني مع دولة الاحتلال.
العلاقات الصينية - "الإسرائيلية" الراهنة هي امتداد لهذا الإرث السياسي منذ الخمسينيات حتى التسعينيات.
مرحلة الزعيم ماو تسي تونغ
- اعترفت "إسرائيل" بجمهورية الصين الشعبية رسمياً في كانون الثاني/ يناير 1950، إلا أن الصين اكتفت برسالة شكر على هذا الاعتراف.
- في الحرب الكورية 1950- 1953، وقفت "إسرائيل" مع السياسة الأمريكية في هذه الحرب، فنظرت إلى الصين باعتبارها دولة حليفة للإمبريالية.
- في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، دعمت الصين الحقوق العربية المعادية للكيان الصهيوني.
- في العام 1962، وقفت "إسرائيل" عسكريا مع الهند ودعمتها في الحرب الحدودية ضد الصين الشعبية، وأقامت علاقات وثيقة مع" تايوان" ومع كل دول جنوب شرقي آسيا الموالية لأمريكا والمعارضة للصين وفيتنام.
- في عام 1964 اعترفت الصين بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وأقامت علاقة مع المنظمة الفلسطينية ودعمتها عسكرياً ومالياً.
- بعد حرب 1967 وقفت الصين إلى جانب الدول العربية في نضالها الهادف إلى دحر الاحتلال واستعادة الأراضي المغتصبة.
مرحلة الانفتاح على الغرب في السبعينيات
- صوتت "إسرائيل" لصالح قبول الصين في الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1971، وكانت قد بدأت علاقات سرية قبل ذلك.
- دخلت مرحلة التقارب الصيني - الأمريكي، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي للصين عام 1972.
- نهاية الحقبة الماوية وسقوط الجناح اليساري في الحزب الشيوعي الصيني بشكل تام عام 1976.
- أول اتصال رسمي معلن بين "إسرائيل" والصين وكان ذلك عام 1978 عندما اجتمع مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة مع وكيل وزارة الخارجية "الإسرائيلية".
- إنشاء مكتب تمثيلي لأكاديمية العلوم الإنسانية "الإسرائيلية" ببكين في شباط/ فبراير 1989، في الوقت الذي فتحت الصين فيه مكتبا سياحيا لها في "تل أبيب" يقوده دبلوماسي من وزارة الخارجية الصينية.
مرحلة التطبيع الكامل
بدأ التطبيع للعلاقات الدولية والدبلوماسية بين الصين و"إسرائيل" في كانون الثاني/ يناير 1992 بعد تطبيع الدول العربية، وعلى إثرها افتتحت السفارة "الإسرائيلية" في بكين في العام نفسه. كما قام الرئيس الصيني بزيارة "تل أبيب" في عام 2000. ووقعت الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية الزراعية والصناعية البحثية والتجارية بين الجانبين.
* نقلا عن : لا ميديا