في المحاضرة الرمضانية السادسة لشهر رمضان 1445هـ أكد السيد القائد أهمية التقوى في تجنب الخسارة الكبرى الأبدية في الآخرة، فهناك ترابط بين حياة الإنسان الدنيوية وحياته في الآخرة، وعالم الآخرة سيأتي أقرب مما نتصور، ومصير الإنسان إما الجنة وإما النار، وليس هناك مجال آخر، والمسألة مرتبطة كلها بالأعمال، ومصير كل إنسان مرتبط بقراره، وطريق الجنة ميسر بحب الأعمال الصالحة وكراهية الأعمال السيئة، الإنسان ينبغي أن يرسخ في نفسه الخوف من الأعمال السيئة، فهذا يساعد على الاستقامة في الدنيا لتستقيم حياته الأبدية في الآخرة. الإنسان بحاجة لمخافة الله، فهذا الخوف يضبط الإنسان أمام أهواء النفس، ويتحرر من المخاوف المرتبطة بالناس وكذلك الإغراءات. الإنسان بحاجة للتقوى في هذه الحياة، والمكاسب الكبيرة جدا من التقوى في عالم الآخرة، وتبدأ بالأمان والطمأنينة والبشارات في يوم الفزع الأكبر يوم البعث، تبشرهم الملائكة بالجنة، وغيرهم في حالة من الفزع والخوف الشديد، وكذلك مسألة التسلم لصحفهم بيدهم اليمنى.
تستقبل الملائكة المتقين الأبرار في يوم الحساب في ساحة المحشر بالطعام والشراب وغيرهم قد وصلت قلوبهم إلى حناجرهم، ينتظرون الانتقال إلى عالم الجنة التي حجمها هائل جدا بحجم السماوات والأرض، ينتقلون للجنة بتكريم وسلام واطمئنان وتقدير واحترام تام، وعندما يصل المتقون وأولياء الله إلى مشارف الجنة، دار السلام الأبدي، تتلقاهم الملائكة بالاحترام والتقدير والسلام، وهي نعمة عظيمة بكل معنى الكلمة، وهنا نرى الفارق عندما يلقى أهل النار ويسحبون إليها والعياذ بالله، أما أهل الجنة فمستوى السرور والفرح لا يمكن أن يتخيله أحد. هنا قيمة التقوى. الجنة عالم فسيح جدا، كله نعيم، تتوفر فيه الفواكه والأنهار والمساكن الطيبة، وعلى مستوى الاستقرار والتنقل يمكن لأصحاب الجنة التنقل إلى أي مكان يشاؤون، وفي داخل الجنة لكل واحد أربع جنات كما ذكر القرآن، بنعيم مادي ومعنوي، ولباسهم من أرقى وأفضل الملابس، مقابل أهل النار التي فصل لهم ملابس من نار وسرابيل من قطران، والفارق كبير جدا.
الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة لهم حلي من ذهب مرصعة باللؤلؤ، شرابهم يأتي من أنهار من الماء واللبن والخمر والعسل، غير آسن ولا يتغير لونه ولا طعمه، لذة للشاربين، والأطعمة من كل الثمرات وكل أصناف الفواكه، ليس فيها أي خلل أو آفات، راقية جدا في مذاقها وفي قيمتها الغذائية، ولحوم مما يشتهون، ويقدم كل ذلك بتكريم في صحائف من ذهب يقدمها ولدان خالدون وحور عين.
وهناك في الجنة مع النعيم المادي الذي يفوق كل خيال، هناك تكريم معنوي، ومن أعظمه هو تحية الله لهم وأن يبلغهم الله رضاه عنهم، وهذا أعلى درجات التكريم، ضيافة أبدية عند الله، وكذلك زيارة الملائكة لهم بالسلام عليهم ومهنئون لهم. ومن التكريم المعنوي المجاورة للأنبياء والرسل وأولياء الله والصالحين والشهداء، السعادة والكرامة والراحة التامة، وفي الجنة تتم الخدمة لهم بدون أي عناء ولا كد ولا تعب، ومن التكريم المعنوي التقدير والاحترام الراقي، ليس هناك من يخاصم أو يشاجر، ويحظى أهل الجنة باطمئنان ونعيم الأخوة، جزء من راحتهم، يمن الله عليهم بما تقر به أعينهم، وليس هناك نصب أو مرض أو هرم أو موت، بل خالدين فيها أبدا، لا يسأمون ولا يملون منها، ووقاهم ربهم عذاب الجحيم والسلام من النار.
الله سبحانه يدعو عباده إلى هذا النعيم ويرغبهم فيه، وبوسع الكل أن يعملوا الأعمال التي توصلهم إلى هذا النعيم، وهي أيسر من كل الأعمال، وخاصة الأعمال التي تذهب بالإنسان إلى جهنم، الله يدعونا، ينادينا، ويحثنا على الجنة والنعيم العظيم هذا، الله يقول: سارعوا إلى هذا النعيم والفوز العظيم، والمجال مفتوح للذكر والأنثى، للفقراء والأغنياء، وأبسط نعيم بالجنة لا يساويه كل نعيم الدنيا، وفوق ما يمكن أن نتخيل، المفاجأة كبيرة، والمسألة كلها مرتبطة بالتقوى، والتقوى متاحة للإنسان، وهي أعمال متيسرة، إنما يضبط نفسه أمام المحرمات والشهوات.
* نقلا عن : لا ميديا