لم يعرف التاريخ العربي- منذ عهود موغلة- مرحلة انحطاط وارتهان وتبعية كما هو الحال اليوم الذي تواجه المقاومة وللشهر السادس عدواناً عالمياً، عدوان تجرد أصحابه من كل القيم والأخلاقيات الحضارية والإنسانية والعسكرية، فيما النظام الدولي تعرى وفقد كل علاقته بالقيم والأخلاقيات، وفي ظل فقدان النظام العربي الرسمي لهويته فقدت أيضا الجماهير العربية إنسانيتها وتجردت من مشاعرها وتبعت دين حكامها..
ستة أشهر من عدوان أممي يشن ضد قطاع غزة وضد الشعب العربي في فلسطين فيما المقاومة تقف وحيدة في المواجهة معتمدة على سواعد الأبطال وقدراتهم الذاتية دون غطاء من أي جهة عربية كانت أو إسلامية، إلا من اليمن التي بدورها تواجه العدوان والحصار وتعاني من شغف العيش ومن ظروف اقتصادية سيئة، ومع ذلك سجلت وتسجل اليمن موقفا لم يجرؤ أي نظام عربي على القيام وإن ببعض ما قامت به اليمن ومع ذلك يقابل موقف اليمن بإدانة من هذا الطرف العربي أو ذاك بل ومن بعض المرتهنين من أبناء اليمن الذين فقدوا البصر والبصيرة وغرتهم الدنيا وأنستهم قيمهم وهويتهم وأخلاقياتهم..
في غزة عدوان صهيوني عالمي لم يقف في نطاق الكيان المحتل بل اصطفت إلى جانب الصهيوني كل دول العالم الغربي بقيادة أمريكا، اصطفاف غربي أمريكي إلى جانب الصهاينة يقابله للأسف اصطفاف عربي سلبي اكتفت أطرافه بالتمنيات وتسول وقف العدوان فيما العدوان يتواصل ليلا ونهارا منذ ستة أشهر في حرب إبادة متفق عليها عالميا وبالتواطؤ مع الأنظمة العربية التي تتفرج على المجازر التي يتعرض لها الشعب العربي في فلسطين وهي عاجزة عن تقديم الدعم الإنساني العابر والعادي والذي يقدم لكل الشعوب المنكوبة في زمن الكوارث وهو الغذاء والدواء والمتطلبات الحياتية الأساسية التي كثيرا ما تسابقت الأنظمة العربية لتقديمها لحيوانات أوروبا وأمريكا، ولكن هذه الأنظمة عجزت عن إدخالها لقطاع غزة.
والحقيقة أن موقف الأنظمة العربية ليس عجزا بل خشية وخوف من أمريكا وحرصا على مصالحها وعلى بقائها في السلطة التي وصلت إليها بفضل أمريكا والصهاينة.. نعم كل الأنظمة العربية الصامتة والمتفرجة على ما يجري في فلسطين هي أنظمة مرتهنة صنعتها أمريكا وبريطانيا والغرب وهم من نصبوها كأنظمة حاكمة على بعض الأقطار العربية.. يحدث هذا في مرحلة تاريخية وحضارية تم فيها تدجين الشعوب العربية وإلهاءها بقضايا حياتية عبثية عابرة وتجذير ثقافة اللا انتماء لا للدين ولا للعروبة، حتى غدت الشعوب العربية تعيش حياة الاستلاب واللا مبالة ومنهمكة في حياة اللهو والعبث وكأنها أعجاز نخل خاوية لم يعد لديها شعور ولا مشاعر ولا أحاسيس، فبدت الشعوب الغربية والأمريكية أكثر إنسانية من الشعوب العربية والإسلامية، وينطبق على الشعوب العربية والإسلامية المقولة المأثورة (الناس على دين ملوكها)..؟!
سيدون التاريخ أن هذه المرحلة التي يواجه فيها أبطال غزة عدواناً عالمياً وحصاراً وحرب إبادة جماعية، هي أكثر مراحل التاريخ العربي والإسلامي انحطاطا وخيانة وعمالة وارتهاناً..!
سيلعن التاريخ في صفحاته زعامات المرحلة الحضارية المنحطة التي جعلت أبطال غزة والشعب العربي في فلسطين يواجهون عدواناً عالمياً وحشياً وهمجياً دون أن يتحركوا ودون أن يتمكنوا حتى من أن يخجلوا على أنفسهم وهم يتسولون قرارات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية.
اليمن رغم كل ما يقال عن موقفها تظل الطرف الوحيد الذي لا يزال يختزل في مواقفه قيم وأخلاقيات العروبة والإسلام ويعمل بعقيدة دينية أمر بها الله سبحانه وتعالى وتخلى عنها عرب ومسلمون كثر، وبمعزل عن تفسيرات الأغبياء للموقف القومي والإسلامي الذي وقفته اليمن بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي _حفظه الله _رغم الظروف الداخلية المزرية التي تعيشها اليمن، إلا أن هذا الموقف جاء تعبيرا عن أصالة هوية اليمن وانتماءها العربي الإسلامي الذي يفسره البعض في سياق رؤى انتهازية ضيقة ويربطه بقضايا داخلية، وهو ليس كذلك بل موقف صنعاء جاء تعبيرا عن قناعة شعب وإرادته بكامل أطيافه وقناعته وشرائحه وطبقاته الاجتماعية من صعدة إلى المهرة ومن سقطرى حتى كمران، ولا يوجد مواطن يمني حر لديه تحفظ على الإجراءات التي أقدمت عليها صنعاء إلا طابور المرجفين المرتهنين.
أتذكر في بداية العدوان على غزة أن الرئيس الأمريكي قارن في إحدى تصريحاته حركة المقاومة الإسلامية في غزة (حماس) بدولة روسيا الاتحادية، واعتبرهما ( أعداء الديمقراطية)؟!
هذه المقارنة رغم عدم منطقيتها إلا أنها تعكس وحشية العقيدة الصهيونية الإمبريالية ورغبتهم في سحق كل من يعارض ثقافتهم الاستعمارية أو يتحدى مخططاتهم الاستعمارية، فجاءت مواقف اليمن لتعطي بعدا آخر للصراع وتصبح صنعاء بالتالي وفق المفهوم الأمريكي عقدة الصراع، وان كانت روسيا في أوكرانيا والصين تقف خلفها وفق المفهوم الأمريكي فإن المقاومة في فلسطين تقف خلفها صنعاء التي حلت هنا وفق المفهوم الأمريكي محل الصين في حرب أوكرانيا.. وهذا شرف لليمن وقائدها وقيادتها وشعبها وإهانة لكل أنظمة الارتهان العربي التي ترتقي بأدوارها إلى مصاف الشريك المتآمر والمتواطئ مع العدوان الصهيوني الإمبريالي على الشعب العربي المسلم في فلسطين الذي ضرب أروع الأمثلة في البطولة والصمود والتحدي والثبات إلى درجة أن هذا الصمود الأسطوري للمقاومة في فلسطين يرتقي إلى مستوى بطولات العرب والمسلمين في معركة (عين جالوت) التي لم يصنعها الأمراء العرب بل صنعها أبطال تشبعوا بقيم العروبة والإسلام أمثال (نور الدين قطز، والظاهر بيبرس) المنحدرين من شريحة (المماليك)..؟!
*نقلا عن :الثورة نت