نعم، سيتم اجتياح رفح، وهناك عدة مؤشرات تدل على أن هذه الجريمة ستنفذ في عيد الفطر المقبل، فالأمريكيون، الذين يدعون معارضة الخطة من أجل الانتخابات، قد أرسلوا أسلحة جديدة إلى «الإسرائيليين» حتى ينفذوا المخطط. أما المؤشرات الأخرى فتتمثل بتكثيف التسريبات الإعلامية ونشر الشائعات حول قبول «إسرائيل» مقترح إرسال قوة عربية إلى غزة. كما أن تصريحات المسؤولين الصهاينة، وغياب أي تحرك عربي، وإفشال المفاوضات في الدوحة والقاهرة، كل هذه الإرهاصات تؤكد أن الاجتياح آتٍ لا محالة، وعلينا أن نجهز أنفسنا لمآسٍ تفوق كل ما رأيناه من قبل!
السؤال الذي كان يجب أن نواجه به أنفسنا هو: لماذا لا تجتاح «إسرائيل» رفح؟! ما الذي سيمنعها بعد كل ما حدث في غزة، ونحن نرى أن «التطبيع» العربي «الإسرائيلي» متواصل، والأنظمة العميلة استطاعت أن تشغل الشعوب العربية عن شعب فلسطين، وكبحت المعارضة الواهنة لما يجري في غزة، واستطاع الإعلام العربي المتواطئ أن يخدر النخوة بمسلسلات وبرامج تافهة، وتمكن «علماء» السلطان من أن يوجهوا إحباط الشعوب للوم الضحية بدلا عن استغلال شهر رمضان -الذي كان «الإسرائيليون» قلقون منه- كمحطة إيمانية لاستنفار مشاعر المسلمين، فتحول إلى شهر للخذلان؟!
باستثناء تحركات المقاومة في غزة واليمن ولبنان والعراق، التي لم تسلم من النقد، وباستثناء بعض المظاهرات والمسيرات هنا وهناك، شجعها تحرك البعض في البلدان الغربية، وباستثناء المقاطعة الاقتصادية التي بدأت تضعف رغم آثارها الكبيرة؛ لم يفعل العرب والمسلمون شيئاً يجعل «إسرائيل» تعيد التفكير في مخططها الإجرامي باجتياح رفح، وربما أن القادة «الإسرائيليين» اليوم بدؤوا يفكرون في البلد الذي سيجتاحونه بعد أن يكملوا تدمير غزة، وطبيعتهم العدوانية في أعلى مستويات نشوتها، بعد أن رأوا ردة فعل الشعوب العربية، بل بعد أن رأوا عدم وجود ردة فعل تذكر من الشعب العربي!
أنا لا أتشاءم، ولست بوارد استفزاز المشاعر هنا، بل أذكر بواقع لا مناص منه، وأحاول أن أصدقكم القول ونحن في أيام شهرنا هذا لنعرف ماذا نستغفر الله منه. الشعوب العربية ليست مستعدة لأن تواجه أنظمتها الخانعة للعدو «الإسرائيلي»، فكيف بمواجهة العدو مباشرة؟! وليست مستعدة لمقاطعة منتجات الشركات التي تدعم «إسرائيل» وجرائمها، فكيف ببذل المال لدعم الشعب الفلسطيني؟! وليست مستعدة لاتخاذ موقف حق أمام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، فكيف سترد عن نفسها يوم يسألها الله عما فعلت بأمانتها ومسؤوليتها وإنسانيتها؟!
دعونا من كل هذا، وبرأيي ألا قيمة للكلام، فلدينا مسلسلات «ممتعة» لنتابعها، ومسابقات «شيقة» لنشارك فيها، وطبخات «لزيزة» لنتذوقها، ومهرجانات غنائية وفنية لنتحضر لها في عيد الفطر المرتقب! أما أهل فلسطين المنكوبون فليذهبوا وربهم فيقاتلوا إنا هنا قاعدون! سنبكيهم بحرقة، ونبكي الأقصى عندما يهدمه اليهود، ثم نبكي شعوباً عربية أخرى عندما يقرر اليهود أن يسحلوها، وسنبكي المشاكل والأزمات التي سيغرقنا اليهود بها كعادتهم، وسنبكي ويبكي أبناؤنا إلى أن نشبع كلنا من البكاء... ألا يكفي كل هذا البكاء؟! فلنستسلم ولنخنع ولنخف ولنسكت ولنلعن من يتحرك ولنعانِ ونتعب ونبكِ، والله غفور رحيم!
* نقلا عن : لا ميديا