العدوان على غزة ودخول اليمن في المعركة أديا إلى تأخير البدء في التغييرات الجذرية التي كان من المزمع أن تبدأ منذ شهرين، وجميع اليمنيين كانوا يترقبون هذه التغييرات بفارغ الصبر؛ كون هذا الأمر الذي أعلنت عنه القيادة جاء معبراً عن إرادة الناس، وتأخير البدء في هذه التغييرات بقدر ما كان له أسبابه المعتبرة، إلا أنه أيضاً قد أدى لتضايق الكثيرين ممن طمحوا أن يكون بداية قوية لبناء اليمن الجديد الذي حلمنا به جميعا عقب نجاح ثورة 21 أيلول قبل تسعة أعوام.
«ما تأخر فيه الخير» كما يقال، ولو أن هذا التأخير قد أسعد لوبيات الفساد والمرتزقة على حد سواء، ولكن معظم اليمنيين يعلمون ويقدرون الظروف العسكرية التي نمر بها، بل ويؤثرون أن ننشغل بغزة وفلسطين في الوقت الحالي حتى توقف العدوان وفك الحصار عن أهلنا في فلسطين، ومن أجل هذه الغاية العزيزة يهون كل عزيز. لكن حتى قضية فلسطين برمتها المسبب الكبير هو مسألة غياب العدل، والعدالة لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن نابعة منذ البداية من أوساطنا؛ فـ»فاقد الشيء لا يعطيه»، وكيف نعلم الآخرين شيئا نفتقده في أنفسنا؟!
أي أنه يبقى هناك مطلب واحد لا يكاد يختلف عليه اثنان، ألا وهو القضاء على الفساد المتغول في المنظومة العدلية والذي وصل شره إلى كل بيت، بداية من الأقسام والنيابات، وانتهاء بالمحاكم ولجان الإنصاف. ويكفي أن نفهم أن الأعداء يسعدهم أن يظل هذا الخلل قائما حتى يضمنوا عدم إحداث أي تغيير إيجابي في بلدنا واستمرار سخط معظم الناس؛ كيف لا ومفهوم العدالة مرتبط بحياة الناس ويؤثر عليهم ويرتبط بمدى رضاهم واستقرار حياتهم في كل مكان وزمان، وقديماً قيل «العدل أساس الملك» لما لهذا الأمر الحيوي من أهمية قصوى.
ميكيافللي في كتابه «الأمير» الخطير ذائع الصيت، تحدث عن الحكم بشكل عام، ورغم ما على هذا الكتاب من محامل، إلا أنه تحدث عن أهمية استقرار المجتمع حتى في ظل وجود الحاكم الظالم، فالحكم -أياً كان نوعه- لا يمكن أن يستقر إلا بنظام يضمن استقرار المجتمع. وبعيداً عن موضوع هذا الكتاب، فالجميع يجمعون على أن غياب العدالة يؤثر على حياتهم بشكل أو بآخر.. العدالة في جانبها الاجتماعي أو التجاري أو الإداري وغيرها من مجالات المحاكم، حتى إن اسم «محكمة» مشتق من كلمة «حكم» الذي يوحي بالاستقرار والثبات.
كلنا نعي حساسية الوضع، ولكن ما لم تلتفت قيادتنا وحكومتنا لهذا الجانب المهم فلن ننعم باستقرار كامل نستطيع من خلاله الالتفات إلى باقي الأمور. أما ضبط هذا الجانب فسيؤدي إلى استقرار الأوضاع الداخلية بشكل كبير، وسيؤدي إلى ثبات الجبهة الداخلية أمام أعتى العواصف، وسيؤدي إلى نجاح أي نشاط أو عمل نخطط لإنجازه.. لنتخيل معاً كيف سيكون الوضع لو وجد العدل في كل مكان، العدل الذي سيشجع الصادقين ويخيف الفاسدين ويرد الحقوق لأهلها قبل أي جانب آخر، ثم كيف سيؤثر هذا علينا في جميع مناحي الحياة، ثقافياً واجتماعياً وفي كل مجالات البناء.. فلماذا لا نبدأ من الآن؟!
* نقلا عن : لا ميديا