عندما حدثت ما عُرفت أو سُميت بـ"ثورة 2011"، لنا تتبع حادثين أو متغيرين لفهم أدق أو أعمق.
الأول: خروج تلك المظاهـرة الإخوانيةـ لتظاهـــرة ضـــد رفاقهم في الساحة، أنصار الله أو الحوثيين، أياً شئتم أو شاء المتلقي... فماذا كان شعار تلك المظاهرة؟
كان الشعار هو: "ثورتنا ثورة إخوان ـ لا حوثية ولا إيران". هذا يؤكد أن محطة 2011 كانت محطة أمريكية "مُؤَخْوَنة".
مظاهرة الإخوان كانت تعني ببساطة أن هذه الثورة هي لنا وحقنا مهداة من المحطة الأمريكية.
الثاني: حين سارت الأمور إلى ما يعرف بتثوير الثورة، فإن الأنصار ساروا بنفس معايير التثوير والثورة 2011، وبالتالي فثورتهم كانت امتداداً واستمراراً لما شرعن له، كثورة 2011، فلماذا لا يتعامل معها بمعايير 2011 ذاتها؟!
لأن صاحب أو موجه المحطة 2011 لا يريد ذلك، فانقلب على معايير أرساها وشرعن لها وتمثل الرفض ورد الفعل في عدوان مرتب ومرّكب استمر تسع سنوات ومازلنا نعيش امتداداته.
الذي أعطى التحليل والمشروعية لتثوير وثورة الإخوان 2011 هو الذي مارس التحريم والتجريم لأي طرف أو فصيل آخر، ومارس العدوان رفضاً ثم شرعن لعدوان أو بعد حدوثها عبر الشرعية الدولية أو مجلس الأمن، في حالة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة أو مجلس "الشرعنة لعدوان أو لحرب بعد حدوثها".
هذه وجهة نظري في أحداث وتطورات عشتها، وليس فيها استهداف لأي طرف، بمن في ذلك "الإخوان"، فهي استقراء لواقع وتتبع لوقائع، وأياً ما كان فيها من خطأ -افتراضاً- فهي في واقع ومساحة الحرية وكثرة وتعدد طرح الحابل والنابل في تفعيل الصراعات اليمنية أو باليمنيين كأطراف صراع يجعل طرح رؤية كهذه من الأمور العادية والمعتاد، لأنها لا تتطرف بأي قدر كما تطرف أطراف.
أمريكا كانت بصدد التحضير لثورة "ملونة" من النمط ذاته، مع أن الرئيس الأوكراني جاء عبر انتخابات معترف بها شرقاً وغرباً، ولم يكن أكمل دورته الرئاسية.
أمريكا، وهي التي مارست تثوير الشارع الأوكراني، هي التي طلبت بل وصلت إلى اتفاق مع الرئيس المنتخب ليدفع بالشرطة ورجال الأمن لإنهاء تلك المظاهرة غير القانونية وغير المشروعة وهي من يدعمه.
وعندما تم دفع الأمن والشرطة لأداء المهمة، كانت أمريكا دعمت التثوير بمسمى "الثورة" لأوسع عنف وصل لإحراق رجال الأمن وحرق مقار منظمات ونقابات لأنها فقط ترفض العنف، بما جعل الرئيس المنتخب ديمقراطياً يفر إلى موسكو، وجرى بعد ذلك تجريم اللغة الروسية والناطقين بها، وهذا القرار هو مثل قرار حلّ الجيش العراقي لإجباره على السير في غير قناعات في "دعشنة العراق بعد ذلك".
ولذلك مورست في الدونباس جرائم وإبادة للأطفال والنساء بما يندى له الجبين، والغرب تحلل من "اتفاقات منسك" الأولى والثانية، وهو الضامن لتنفيذها، مثلما مارست أمريكا مع الرئيس الشرعي والمنتخب وتحللت من اتفاق التزمت بتنفيذه.
في القراءة المقارنة فالرئيس عبد ربه منصور هادي جاء من انتخابات لا منافس له فيها، وبالتالي فهذه الانتخابات ليست انتخابات ولا تمت لأي ديمقراطية بصلة، بينما الرئيس الأوكراني الذي فرّ إلى موسكو جاء من انتخابات ديمقراطية حقيقية اعترف بها الغرب قبل الشرق، ومع ذلك لم تقف مع شرعية وديمقراطية حقيقية في أوكرانيا، وسارت بكل قدراتها لدعم انقلاب بمسمى "ثورة".
أمريكا بالمقابل وبكل قدراتها وحلفائها وأتباعها وتوابعها سارت مع اللاشرعية واللاديمقراطية في اليمن، وتبنت شرعنة العدوان وأنواع العقوبات، بما في ذلك وضع اليمن تحت الفصل السابع للأمم المتحدة. ومع ذلك جاءت هذه الحرب في أوكرانيا لأكثر من عامين حتى الآن وسار واقع اليمن إلى هذا المشهد الذي نعيشه ونتابعه.
الأنصار لم يُترك لهم من خيار غير مواجهة العدوان، والشعب وقف معهم، وهذا حقق نصراً تاريخياً واستثنائياً ليس فقط على أطراف العدوان الظاهر أو المباشر، بل على القوى الموجهة للعدوان وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
هذا النصر هو الذي حافظ على سقف مرتفع من التماسك المجتمعي، وهو الذي أنجب من رحم الأزمة ومن متراكم الأزمات قوة هائلة ومؤهلة باتت تواجه أمريكا وبريطانيا في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي حتى المحيط الهندي، انتصاراً لفلسطين الشعب والقضية، وربطاً بالحرب الإجرامية الصهيونية على غزة.
هكذا، وبغض النظر عن فروق ومفارقات كل حالة، فالانتصارات الروسية في أوكرانيا إذا لم ترتبط فهي تربط بما حققه ويحققه اليمن من انتصارات.
من يواجه العدوان على اليمن ومن يناصر فلسطين ويواجه أمريكا وبريطانيا لا يمكنني إلا أن أكون معه قلباً وقالباً. هذا ما تعلمناه من كل الأحزاب والقوى السياسية اليمنية القومية واليسارية وحتى الوسطية أو المعتدلة، باستثناء "الإخوان" ولا أحد غيرهم يدخل هذا الاستثناء.
ولهذا فإنه لا يُنتظر من أمريكا والغرب حلاً لأجل الشعب الأوكراني، ولا يُنتظر أكثر من ذلك من أمريكا والغرب حلاً في اليمن لصالح الشعب اليمني.
الرأسمالية في أسوأ أزمة في تاريخها، وكل ما يمارس أو يطرح من إرهاب وحروب بيولوجية و"المثلية" و"المليار الذهبي"... هي محاولات الرأسمالية الأمريكية لمعالجات أزمتها أو لتخفيفها أو للخروج منها. والرأسمالية هي الدولة العميقة، وهي الحاكم الحقيقي، والديمقراطية والانتخابات الأمريكية ليست أكثر من تضليل وزيف وتزييف.
ما يجري في العالم هو حرب عالمية ثالثة، وكل الأطراف تسعى لتجنب "النووي"؛ ولكنه إن لم يوصل إلى ذلك فلا بد من صدام أو اصطدام بسقف مرتفع يجعل أمريكا تقبل بحجمها الجديد والواقعي، وتتصرف على أساسه وبسقفه. لكن الأهم الذي يظل يعنينا في اليمن هو واقعنا وكيفية إعادة صياغته وبلورته بما يعطي لليمن رفعة وقوة وعزة ومكانة بات أهلاً لها، فوق تقوقع الصراع وأشكال الإعلام المتهافت المتهالك الذي يرتبط بالسعودية والإمارات ربطاً بأمريكا وبريطانيا والغرب. فهل فكرّنا أو بدأنا التفكير في هذا الصراع والمعترك العالمي؟!
* نقلا عن : لا ميديا