أثار انهيار خدمات الكهرباء في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، خلال الأيام الماضية، وارتفاع مُدد انقطاع التيار إلى نحو 20 ساعة يومياً، موجة تظاهرات عارمة في تلك المناطق، تنديداً بتجاهل حكومة أحمد بن مبارك و«المجلس الرئاسي» الموالييْن للتحالف السعودي - الإماراتي، معاناة سكان تلك المناطق، وتخلّي الأخير عنهم، وتوقّفه عن دعم محطات الكهرباء بالوقود، للعام الثاني على التوالي، بعدما تولّى «برنامح إعادة الإعمار السعودي» تزويد تلك المحطات بكميات كبيرة من مادة الديزل، خلال السنوات الماضية. وكان قد اتسع نطاق الأزمة إلى محافظات حضرموت ولحج وأبين، التي أعلنت مؤسسات الكهرباء فيها توقّف خدماتها جرّاء نفاد الوقود، ليمتدّ غضب الشارع إلى المكلا. كذلك، هدّدت شركات الطاقة المشتراة، «سابسون إنرجي» و«العليان للطاقة» و«الأهرام للطاقة» و«مجموعة السعدي»، والتي تزوّد عدن بنحو 45 ميغاواط، بالتوقّف عن العمل في المحافظات المذكورة، إذا لم تقم الحكومة، خلال أسبوعين، بدفع مستحقّاتها المالية المتأخّرة منذ 2021. وفي الموازاة، تصاعد الخلاف بين «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات و«المجلس الرئاسي» على خلفية الأزمة، ما أدى إلى مقاطعة رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، جلسات المجلس، بعد تعرّضه لموجة انتقادات شعبية واسعة من قبل المواطنين الساخطين. وفي هذا الإطار، اتهمت الأمانة العامة لـ«الانتقالي»، حكومة عدن، بالضلوع في «حرب خدمات»، مهدّدةً بالانسحاب من الحكومة في حال تواصلت أزمة الطاقة.ورغم إطلاق مؤسسة كهرباء عدن أكثر من نداء استغاثة للحكومة و«التحالف» لإنقاذ قطاع الكهرباء في عدن، إلا أنهما أدارا الظهر لتلك النداءات، ووجدت الأولى نفسها أمام ورطة بعد أن تبيّن لها أن إيرادات مؤسسة الكهرباء تقارب الصفر، مقابل خدمات تكلّف في اليوم الواحد ما بين 1.8 مليون دولار و3 ملايين دولار كنفقات تشغيلية لنحو 13 محطة توليد خاصة بالطاقة في عدن، توفّر لها 600 ميغاواط. كما أن هذه الحكومة التي وعدت السكان في شباط الماضي، بتعزيز القدرة التوليدية للكهرباء خلال الصيف، عجزت عن الوفاء بوعدها بسبب أزمتها المالية، والتي أدت إلى وقف تفعيل اتفاقية استئجار باخرة عائمة لتوليد الطاقة بقدرة توليدية تتجاوز الـ120 ميغاواط لمدة خمس سنوات مقابل 130 مليون دولار، كان قد تم التوقيع عليها من قبل الحكومة السابقة مع شركة خدمات محلية عام 2020. وبحسب حديث أكثر من مصدر مطلع في عدن إلى «الأخبار»، فإن «سبب الأزمة ليس تراجع القدرات التوليدية، وإنما نفاد الوقود وعجز الحكومة عن شراء شحنات كافية منه». وأشار مصدر في نقابة الكهرباء في المدينة إلى أنه «لا وجود لأي أعطال فنية تحول دون تزويد المدينة بالكهرباء»، لافتاً إلى أن «حكومة أحمد بن مبارك أبرمت اتفاقاً مع شركة نفط محلية أواخر آذار الماضي لشراء 55 ألف طن ديزل، إلا أن الحكومة لم تدفع للشركة المستوردة ثمنها بعد وصولها الأسبوع قبل الماضي إلى ميناء الزيت (أحد موانئ عدن)، فأقدمت على بيعها في السوق».
حكومة صنعاء سمحت بتزويد محطات كهرباء عدن بالوقود إلا أن تعدّد المليشيات في الجنوب عرقل وصولها
من جهته، اعتبر محافظ عدن التابع لحكومة الإنقاذ في صنعاء، طارق سلام، أن «مدينة عدن تواجه عقاباً من قبل التحالف والحكومة الموالية للسعودية والإمارات والتي تفرض عقاباً جماعياً ضد المواطنين، وتتهرّب من أي التزامات». واعتبر سلام تصاعد المسيرات الليلية في عدن وعدد من مدن الجنوب «رد فعل طبيعياً على فساد الحكومة الموالية للتحالف وفشلها في توفير أدنى الخدمات»، محذراً من قمع المحتجين. ولفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «حكومة صنعاء سمحت خلال المدة الماضية بتزويد محطات كهرباء عدن بالوقود من القطاعات النفطية في محافظتي شبوة ومأرب، رغم استمرار قرارها القاضي بمنع تصدير النفط اليمني الخام إلى الأسواق الخارجية، والصادر مطلع تشرين الأول 2022، كرد فعل على رفض الحكومة الموالية للتحالف صرف رواتب الموظفين من عائدات مبيعات النفط، إلا أن تعدّد المليشيات العسكرية في المحافظات الجنوبية تتسبّب في إعاقة إمداد كهرباء عدن بالوقود المحلي».
وخلال الأشهر الماضية، رصد المركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية، ومقره صنعاء، 42 عملية احتجاز ومنع تعرّضت لها شاحنات إمداد الوقود المخصّصة لمحطات الطاقة في عدن، في محافظتي شبوة ومأرب. ووفقاً للمركز، جاءت إعاقة الإمدادات من قبل عسكريين موالين للإمارات ومسلّحين قبليين على خلفية مطالب حقوقية وأمنية. وفي السياق نفسه، قالت مصادر، لـ«الأخبار»، إن سلطات حضرموت التابعة لـ«الانتقالي» رفضت طلباً من حكومة عدن بتزويد محطة «بترومسيلة» بنحو ألف برميل من الوقود لتشغيلها، وبعد تدخّل وساطات، قبلت بشرط قيام الحكومة بمنح مؤسسة كهرباء المكلا ما يقابل تلك الكمية في حال شراء أي شحنة لتزويد محطات كهرباء عدن، وهو ما عدّه ناشطون تمرداً ناعماً على «المجلس الرئاسي».
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية