كان النظام السعودي -ولايزال، في موقف السيد القائد أبي جبريل- رأس حربة لعدوان أمريكي توحشي فاضح على اليمن ومستمر منذ آذار/ مارس 2015 حتى اليوم.
وهو موقف مدجج بوفرة من معطيات وبراهين الواقع بامتداد 9 أعوام مثخنة بأشلاء شعبنا ومعاناته القائمة والمتفاقمة للحظة.
غير أن هذه الحقيقة باتت ماضياً غابراً في قاموس مجلس وحكومة صنعاء، وأصبح النظام السعودي المجرم في منظورها "أخاً شقيقاً" بلا شفيع من واقع ملموس يبرر إنزاله هذه المنزلة الحميمة، لا خلال تسعة أعوام مضت من عدوانه، ولا عشرة أعوام قادمة من اشتباك افتراضي دبلوماسي ناعم معه يمكن أن تجعله جديراً بهذه المنزلة، هذا فيما لو أقر بجرمه ونهض عملياً بكل استحقاقات مترتبة على عدوانه البشع لبلدنا وشعبنا بامتداد مسرح الخراب والمعاناة التي ألحقها باليمنيين.
عامان -فحسب- من هدنة باهظة الكلفة لجهة شعبنا، ومجانية لجهة العدو السعودي، جعلت من هذا الأخير "شقيقاً" بنظر مجلس وحكومة صنعاء، وبالنقيض بات شعبنا الشريف، في خطابها اليومي "خلية تخريبية" في "الخطة الأمريكية (ب)"، متهماً بمعاناته، خارج اهتمامات السلطة وداخل سجونها!
حذّر السيد القائد -ولايزال يحذّر- العدو السعودي والإماراتي من مغبة المماطلة في دفع استحقاقات سلام يزعم العدو أنه جاد فيه ويتنصل عن موجباته، بينما لاتزال دبلوماسية صنعاء ترشقه بالورود وعبارات الغزل لـ"حاجة ما في نفس عرقوب" ولا علاقة لها بمعاناة الشعب واستحقاقاته.
لم يعد هذا الغزل الدبلوماسي موضع استغراب بعد عامي الهدنة الخدج، فالأكثر غرابة هو اكتشاف الحكومة فجأة وبعد طول بيات، أن السعودية تقف وراء العدوان الاقتصادي على بلدنا!!
كما لو أن عدوانها هذا بدأ للتو، ولم يكن قائماً قبل وخلال وبعد الهدنة الخدج، وقبل وبعد وخلال عملية الفتح اليمني الموعود الإسنادية لشعبنا الفلسطيني في غزة، وقبل وبعد وخلال العدوان الراهن المباشر الذي تشنه أمريكا على بلدنا دفاعاً عن سواطير وجنازير المسخ الصهيوني المتوغلة في لحم شعبنا الفلسطيني!
حين اكتشفت الحكومة أن "السعودية تشن عدواناً اقتصادياً على اليمن"، كانت جوقاتها الرسمية المغردة خارج واقع الشعب وحقيقة الصراع، قبيل دقائق من هذا الاكتشاف، لاتزال تتشكر للسعودية عدم الانضواء في عدوان "حارس الازدهار الأمريكي" الراهن، بفرضية أن غيابها على مستوى واجهة هذا العدوان يعني عدم انخراطها فيه بكيفية ما خلف الكواليس، أو كأن عدوان واشنطن المباشر يجُبُّ عدوان الرياض بالوكالة عن أمريكا للعام العاشر على شعبنا، أو كأن السعودية تسدي جميلاً ليمن الفتح الموعود بكونها خارج القائمة المعلنة لدول تحالف العدوان الأمريكي المباشر!
لم تتوقف السعودية عن عدوانها السابق، وهي حاضرة في قلب العدوان الراهن؛ لكن قواعد اشتباك هذا الأخير تقتضي أن تحتجب السعودية عن الواجهة، إذ من الغباء أن تدحض دعوى "إعادة اليمن للحضن العربي" التي موهت بها على عدوانها الأمريكي السابق، بالانخراط علناً اليوم في دفاع فاضح عن الكيان الصهيوني ضمن تحالف حارسه الأمريكي الغربي!
إن مجلس وحكومة التصريف -بطبيعة الحال- لا يَصْدُرون في مواقفهم عن عدم فهم لمحددات السيد القائد، فقط، بل وبالضد لها في أغلب الأحيان.
وليس هذا الانتقال من موقع الغزل تجاه النظام السعودي ورحلات الحج الجماعي إلى المملكة، للقول بأن الرياض تقف وراء العدوان الاقتصادي، إلا برهاناً على هذه الضدية الرسمية بين أداء الحكومة من جهة وبين محددات السيد القائد من جهة مقابلة، أكثر من كونه اتساقاً في المواقف، وإن بدا ذلك كلامياً!
لقد شن النظام السعودي عدوانه ضد يمن أيلول الجديد لاجتثاث مشروع المسيرة الثوري التحرري المعادي للكيان الصهيوني والمناهض للهيمنة الأمريكية، ولم ينطلق في عدوانه من مصالح أو مخاوف تخص السعودية كـ"دولة عربية إسلامية"، وإنما من موقعه كذراع وظيفي صهيوإمبريالي معادٍ للمصالح العربية والإسلامية المشروعة وقضايا الأمة الكبرى، وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
وبطبيعة الحال فإن الحضور العملي المقتدر والوازن، اليوم، ليمن أيلول بقيادة سيد الثورة والفتح الموعود، في قلب الصراع والاشتباك المباشر مع العدو الصهيوإمبريالي وإثخانه بالألم نصرة لفلسطين كقضية مركزية للأمة، هو نتاج طبيعي لإخفاق العدوان السعودي الأمريكي في اجتثاث المشروع الثوري وقيادته الطليعية. وبالنتيجة كان على النظام السعودي أن يستدير تكتيكياً للخروج من حقل النار اليمني الذي وجد نفسه في بؤرته بعد 8 أعوام من الاشتباك، وتلافي ارتدادات إخفاقاته الباهظة على منطقة "المصالح الحيوية الأمريكية" وخزان وقود الإمبريالية الكوني الضخم، متمثلاً في "أرامكو" التي كادت تتحول إلى هناجر خردة تحت سعير عمليات الردع اليمني وحمم ضربات "كسر الحصار" التصاعدية.
هذه الاستدارة التكتيكية السعودية نحو "الهدنة" لم تكن تعبيراً عن "مصلحة سعودية" بالمقام الأول، وإنما بدرجة رئيسة كانت بإيعاز من المدير التنفيذي الأمريكي المثخن بتبعات الإخفاق السعودي وارتداداته الكارثية على حظيرة أبقار واشنطن الحلوبة ومجمل كانتوناتها الوظيفية وقواعدها الإمبريالية المتقدمة في الشرق، وفي صدارتها "الكيان الصهيوني" الذي كان حينها هدفاً مرشحاً لاختلاج سعير البأس اليمني المتعاظم، وأصبح اليوم في سواء هذا الجحيم بصورة مباشرة.
بين تاريخَيْ جنوح الرياض تكتيكياً للهدنة بعد عام ثامن من عدوانها على اليمن، وبروز المدير التنفيذي الأمريكي إلى واجهة الاشتباك بيافطة جديدة لعدوان غير جديد على يمن 21 أيلول، بين هذين التاريخين لم ينكفئ النظام السعودي عن عدوانه ليلعب الكوتشينة ويتعاقد مع نجوم كرة القدم العالميين ويدشن حفلات الترفيه وعروض التعري الشاطئية.
لقد كان -بطبيعة الحال- يزاول عدوانه ويشحذ أنيابه الناعمة ليجعلها أكثر فتكاً ويدير دواليب خياراته في ذات الوجهة، ويواصل سحق هياكل شعبنا المهيضة ويستقطب ويجند العملاء "الوطنيين" ويمزق نسيج حواضن الصمود، بأريحية تامة، متكئاً على أريكة دبلوماسية وثيرة، نسجتها سذاجة وأهواء وشبق صبيان الحكم لاستعادة أواصر الصلة التقليدية العتيقة مع "الأشقاء في المملكة"!
إن أمريكا في عدوانها المباشر على اليمن، دفاعاً عن العدو الصهيوني، لا غنى لها عن ضروع وقرون وأظلاف البقرة السعودية الحلوب الناشبة في لحم الجغرافيا اليمنية، والناهبة لثرواتها والمثخِنة لشعبها تجويعاً وحصاراً، وأهم من ذلك كله فإن الكيان الوظيفي السعودي كان بالأمس واليوم وغداً، رهاناً وجودياً بالنسبة لكيان العدو الصهيوني على كل مستوى، سياسي واقتصادي وثقافي وعسكري، وحرباً وسلماً...
مع هذه الحقيقة الموضوعية التاريخية، تلزم المرء سذاجة بوزن الكوكب ليتصور أن السعودية تجلس اليوم على دكة الاحتياط والحياد وتقزقز البذر، خارج مضمار هذا الاشتباك الوجودي المباشر والأكثر ضراوة بامتداد تاريخ الصراع بين أحرار الأمة وكيان العدو الصهيوني، أو ليتخيل أن النظام السعودي بات يفتقر للأسباب والوسائط التي تمكنه من الانخراط الفاعل في الاشتباك إلى جانب كيان العدو وفي صلب العدوان الأمريكي على يمن الفتح الموعود!
إن هذه الذروة من العدوان الاقتصادي السافر على بلدنا هي حصيلة استدارة النظام السعودي بهدنة مجانية، من مضمار الإخفاق العسكري إلى مضمار حرب يبرع فيها ويمتلك أدواتها ويراكم أرصدة وازنة في سياق عدوان مستمر، وكان ولايزال محفوزاً بمصالح ومخاوف الصهيوإمبريالية ذاتها على اختلاف يافطاته التمويهية!
إن تحذيرات السيد القائد الدائمة للسعودية والإمارات من عواقب المماطلة في دفع استحقاقات السلام، تبلغ -هي الأخرى- ذروتها اليوم، فمسار الاشتباك اليمني بات في مواجهة كيان العدو التاريخي للأمة بصورة مباشرة وناصعة، وتجاوزت التحذيرات طور النصح الذي يخاطب به السيد القائد اللبوس العربية للنظامين، إلى طور تعرية المسخ الصهيوني اللابد خلف هذه اللبوس. وبالنتيجة فإن الرياض وأبوظبي لن تنعما طويلاً بحماية لبوسهما العربية وستجدان نفسيهما على المدى القريب -بالقصور الوظيفي- هدفاً لملحمة الفتح الموعود التي يخوضها شعبنا الحر بقيادة أبي جبريل، إسناداً لشعبنا الفلسطيني في غزة. إنه مسار الاشتباك الذي لا لبس فيه ولا حاجة معه لمعاودة اشتباك سابق مع النظام السعودي، أرجأته الهدنة، واستمر الأخير خلالها في عدوانه متلطياً بها.
لقد خضنا معركة فلسطين لثمانية أعوام قبل "طوفان الأقصى"، في مواجهة العدو ذاته على تعدد يافطاته ولبوسه وواحدية مشروعه المعادي للأمة، ومسارنا عقب "طوفان الأقصى" هو ذات المسار وفي صلب معركة فلسطين بلا تمويه ولا مساحيق ولا أقنعة، والهدنة التي أنقذت "عاصفة" العدوان السعودي يجرفها طوفان الأقصى ويمن الفتح الموعود.
* نقلا عن : لا ميديا