في عام 1341هـ؛ أي قبل 102 عام ارتكب النظام الوهَّـابي السعوديّ مجزرة تنومة المروِّعة بحق الحجاج اليمنيين، حَيثُ قامت عصابات آل سعود التكفيرية بقتل أكثر من 3000 حاج يمني، والبعض منهم تم نحرهم، وفصلت رؤوسهم عن أجسادهم، يقول أحد الناجين عند عودته لليمن تعرضنا لإطلاق نار كثيف وَرأيت أناسا يُقتلون بطريقة لم أتخيلها قط رأيت 30 شخصا قُتلوا ذبحا بالسكاكين وفُصلت رؤوسهم على الفور دفعت نفسي تحت الجثث، ونمت هناك كأنني ميت وتم إطلاق النار على المسافرين الحجاج من مسافة قريبة وَبينهم نساء وأطفال.
جريمةٌ ضد الإنسانية:
قتلُ المسافرين الحجاج يُعتبَرُ جريمةً ضد الإنسانية لا تسقُطُ بالتقادم وفق القانون الدولي وعلى الدولة مسؤولية والتزام وواجب قانوني تجاهها حتى لو مضت عليها عقود من الزمان وهناك حالات دولية مشابهة ولم يسقط حق التعويض وَجبر الضرر حتى لو تحججت الدولة بأية ذريعة أَو ألقت بالمسؤولية على من ارتكب الجرم؛ لأَنَّه يقع على الدولة مسؤولية حماية وضمان الأمن على الأرض التي تسيطر عليها ومن جانب آخر يقع عليها مسؤولية الأفعال التي تصدر من أتباعها وجنودها ومواطنيها تجاه الآخرين.
القانون الدولي وحقُّ تعويض الضحايا:
يحق لأي شخص وقعَ ضحيةً لعمل عنف الحصول على تعويضات بموجب قانون تعويض الضحايا، ولكن وفقًا لشروط معينة وفضلًا عن الضحايا أنفسهم، يمكن أَيْـضاً لأهل الضحية مثل الأرامل والأطفال والآباء الحصول على تعويضات.
التعويض (Compensatin):
القاعدة التي تنصّ على وجوب دفع الدولة التي تنتهك القانون الدولي الإنساني تعويضاً، إذَا اقتضت الحالة ذلك، هي قاعدة قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، وردت في اتّفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخَاصَّة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 18 أُكتوبر/تشرين الأول 1907)، وأعيد النصّ عليها في البروتوكول الإضافي الأول [17]، وجرى وضع هذا الواجب في الممارسة من خلال العديد من تسويات ما بعد النزاع.
كما تضمّنته أَيْـضاً مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًّا، والتي يُلزم الدولة “التعويض عن الضرر الناتج… في حال عدم إصلاح هذا الضرر بالرد”. ويوضح التعليق على مشروع لائحة مسؤولية الدول أن “الرد، وبالرغم من أسبقية كمبدأ قانوني، يكون في كثير من الأحيان غير متاح أَو غير مناسب… ودور التعويض هو تغطية أية فوارق لضمان الجبر الكامل للضرر المتكبد”.
وتؤكّـد عدد من البيانات الرسمية على واجب التعويض عن الأضرار التي تتسبب بها انتهاكات القانون الدولي الإنساني. كما نصّ عليه عدد من القرارات التي تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة.
(ج) الترضية (Satisfaction). تنصّ المادة 37 من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًّا على أنّ:
الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دوليًّا ملزمة بتقديم ترضية عن الخسارة التي تترتب على هذا الفعل إذَا كان يتعذر إصلاح هذه الخسارة عن طريق الرد أَو التعويض.
قد تتخذ الترضية شكل إقرار بالخرق، أَو تعبير عن الأسف، أَو اعتذار رسمي، أَو أي شكل آخر مناسب.
ينبغي ألاّ تكون الترضية غير متناسبة مع الخسارة، ولا يجوز أن تتخذ شكلاً مذلاً للدولة المسؤولة.
ويُشار إلى ضرورة التوصل إلى الحقيقة من خلال التحقيق وتقديم الجناة إلى العدالة، في التعليق على المادة 37 من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًّا، والتي تدرج من بين الطرق الممكنة لتقديم الترضية “التحقيق في أسباب الحادثة التي نجم عنها ضرر أَو خسارة” و”اتِّخاذ إجراء تأديبي أَو عقابي ضد الأفراد الذين أَدَّى سلوكهم إلى ارتكاب الفعل غير المشروع دولياً”. ويتضمّن دليل الولايات المتحدة للميدان نشرَ الحقائق، ومعاقَبَةَ من يُلقَى القبضُ عليه من الجُناة كمجرمي حرب، كأنماط علاجات لانتهاكات القانون الدولي الإنساني. وتجدر الإشارة إلى واجب الدول، وبغض النظر عن توفير الجبر المناسب، في التحقيق في جرائم الحرب التي تقع ضمن اختصاصها، ومحاكمة المشتبه بهم إذَا اقتضى الأمر. (انظر القاعدة 158).
كما أنّ الضمانات بعدم تكرار الانتهاكات شكل ممكن من أشكال الترضية، يُشار إليه في مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًّا، ويتطلب من الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دوليًّا أن تكفّ عن الفعل، وتقدم التأكيدات والضمانات الملائمة بعدم التكرار، إذَا اقتضت الظروف ذلك.
جبر الضرر الذي يطالب به الأفراد بشكل مباشر:
يوجد منحى متصاعد يحبّذ تمكين الأفراد، ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني، من المطالبة بشكل مباشر، بجبر الضرر من الدولة المسؤولة.
وتنصّ المادة 33 (2) من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًّا، أنّ الباب الثاني من مشاريع المواد (مضمون المسؤولية الدولية للدولة) “لا يخلّ بأي حق ينشأ نتيجة للمسؤولية الدولية للدولة، وقد يترتب مباشرة لأيّ شخص أَو كيان آخر غير الدولة”. وبالإضافة إلى ذلك، يذكر التعليق على المادة 33 أنه:
عندما يوجد التزام بالجبر تجاه دولة ما، فَــإنَّ الجبر لا يتوجب بالضرورة لمصلحة تلك الدولة. ومثال ذلك أنّ مسؤولية الدولة عن خرق التزام بموجب معاهدة تتعلق بحماية حقوق الإنسان قد تنشأ تجاه جميع أطراف المعاهدة، لكن ينبغي اعتبار الأفراد المعنيين المستفيدين النهائيين، وبهذا المعنى، أصحاب الحقوق ذات الصلة.
وقد أشَارَت كرواتيا في آرائها وتعليقاتها على نسخة العام 1997 من مشروع المبادئ والخطوط التوجيهية بشأن الحق في جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني [الجسيمة]، كما كانت تعرف في ذلك الحين، وكذلك الولايات المتحدة في قرار مشترك من مجلسي النواب والشيوخ في العام 2001، في ما يتعلق بالانتهاكات المرتكَبة من قبل اليابان ضد ما عُرف بـ “نساء المتعة”، إلى حق الضحايا في تلقي الجبر بشكل مباشر. وفي قرارين بشأن يوغوسلافيا السابقة، أقَرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ”حق ضحايا – التطهير العرقي – بتلقي جبر عادل للضرر الذي لحق بهم” وحثت كافة الأطراف على “تنفيذ اتّفاقاتهم بهذا الشأن”.
وقد جرى تقديم جبر الضرر مباشرة إلى أفراد بواسطة إجراءات مختلفو، ولا سيما بواسطة آليات وضعتها اتّفاقات بين الدول، وبواسطة أعمال أُحادية الجانب للدولة كتشريعات وطنية، أَو جبر ضرر طالب به أفراد بشكل مباشر أمام محاكم وطنية.
جبرُ الضرر على أَسَاس اتّفاقات بين دول أَو اتّفاقات أُخرى:
أُجبرت ألمانيا بمقتضى عدد من الاتّفاقات التي تمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، على رد الممتلكات المسروقة كالمجوهرات، والأدوات المنزلية الثمينة، وأشياءَ منزلية أُخرى، وممتلكات ثقافية إلى الضحايا.
ومن الأمثلة الأكثر حداثة على جبر الضرر لأفراد على أَسَاس اتّفاق بين الدول، الاتّفاق بشأن الأشخاص اللاجئين والنازحين الملحق باتّفاقات دايتون الذي أنشأ اللجنة الخَاصَّة بالادِّعاءات بشأن عقارات الأشخاص النازحين واللاجئين في البوسنة والهرسك، والذي فوّض اللجنة، من بين أمور أُخرى، النظر في مطالب إعادة العقارات، وكذلك التعويض عن خسارة الملكية في سياق العمليات العدائية منذ العام 1991، والتي لا يمكن إعادتها إليهم.
وينصّ الاتّفاق بين حكومة كندا والجمعية الوطنية للكنديين من أصل ياباني (اتّفاق جبر الضرر للكنديين من أصل ياباني) الذي تم اعتماده في العام 1988، على الاعتذار والإقرار بانتهاكات القانون الدولي الإنساني.
ومثال آخر، لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة (UNCC)، والتي أنشئت بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ للنظر في طلبات التعويض عن الخسائر والأضرار المباشرة “الناتجة عن الغزو [العراقي] غير المشروع واحتلال الكويت التي تكبّدتها الدولُ، والمنظماتُ الدولية، والمؤسّساتُ، والأفراد.
ومع أنّ هذه اللجنة تُعنَى أَسَاساً بالخسائر الناجمة عن استخدام العراق غير المشروع للقوة، شملت الأحكامُ انتهاكاتِ القانون الدولي الإنساني التي عانى منها أفراد. وعلى سبيل المثال، منحت هذه اللجنةُ تعويضاتٍ لأسرى الحرب السابقين الذين كانوا في قبضة العراق، والذين كانوا عُرضةً لسوء المعاملة التي تشكِّلُ انتهاكاً (جنيف الثالثة).
*نقلا عن : موقع أنصار الله