عندما اتّخذ كيان الاحتلال القرار بإطلاق حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني في غزّة بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر الماضي، لم يكن الأميركيون بعيدين عن كلّ حيثيات وعناصر هذا القرار، لا في المسار الداعم سياسيًّا وإعلاميًّا وديبلوماسيًّا، ولا في المسار الداعم عسكريًا وعلى أعلى المستويات، لناحية تزويد جيش الكيان بالأسلحة والذخائر المناسبة، أو لناحية حشد السفن الحربيّة والمدمّرات المساندة في كامل منطقة الشرق الأوسط. وكانت تبدو المعركة وكأنها معركتهم بالدرجة الأولى قبل أن تكون معركة العدوّ “الإسرائيلي”.
طبعًا، لم يكن ينتظر الأميركيون وتحديدًا إدارة الرئيس جو بايدن، أن تطول وتمتد هذه الحرب إلى اليوم ودون حسم، معتبرين في ذلك، أن جيش الكيان يملك قدرات نوعية متقدمة، وسوف يحسم المواجهة طبعًا، مستفيدًا من دعمهم العسكري المباشر، ولن يتأخر في إنهاء هذه الحرب، حيث لن يكون بإمكان المقاومة الفلسطينية مقارعته أو مواجهته. وبالتالي اعتبر بايدن أن الأصوات المعارضة إقليميًا ودوليًا لهذه الحرب المجنونة الفاقدة للإنسانية ولكل المشروعية الدولية أو حرب الإبادة هذه التي يدعمونها بامتياز، سوف تختفي تلقائيًا بعد انتهاء الحرب سريعًا، وبعد تحرير الأسرى “الإسرائيليين” والغربيين، وبعد إنهاء بنية حماس العسكرية، وسوف ينشغل العالم حينها بنقاشات اليوم التالي ومن يحكم غزّة بعد هزيمة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وسوف ينسى العالم ما حصل من مجازر وارتكابات برعاية وبعناية إدارة الرئيس بايدن.
المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد.. وفرض التسويات
في الواقع، وبعد مرور حوالي الثمانية أشهر ونيف على هذه الحرب، كلّ ما أراده كيان الاحتلال ومن ورائه الأميركيون لم يحصل، ولم يتحقق أي هدف لهذه الإبادة الجماعية، ووجد جميع من انخرط وأدار هذه المجازر المروّعة غير المسبوقة تاريخيًّا، أنّهم دخلوا في مستنقع الفشل والعجز والضياع، وليتبين أنه كان وراء كلّ هذا العجز والفشل عدّة أسباب رئيسية، أهمها:
١ – لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية ومن خلال الثبات في الميدان أن تحقق التالي:
أولًا: مواجهة جيش العدوّ الذي كان يُعتبر “الجيش الذي لا يُقهر” وتكبيده خسائر ضخمة لم يكن أحد يتوقعها، ومنعه من تحقيق أي هدف من أهداف حربه، ورميه في مستنقع التشكيك والخلافات والاتهامات المتبادلة مع الجانب السياسي ومع نتنياهو تحديدًا.
ثانيًا: تأكيد وفرض عدم قدرة العدوّ – وتحديدًا نتنياهو – على استبعاد الخيارات السياسية من استراتيجيته في الحرب على غزّة، وإرغامه على ابقاء خيار التسوية السياسية أساسيًا في استراتيجية حكومته، بعد أن وجد وأيقن أن الأفق مقفل تمامًا أمام متابعة الخيارات العسكرية المدمرة.
٢ – كان لتفعيل وتطوير جبهات الإسناد من مستوى معركتها عسكريًا واستراتيجيًا ضدّ العدوّ، الدور الأكبر في حماية وصيانة موقف المقاومة الفلسطينية الصامد ضدّ العدوّ على كافة الصعد، عسكريًا وسياسيًّا:
– من الناحية العسكرية، أجبرت العدوّ على وضع جهود ضخمة لمواجهة جبهات الإسناد من خارج الكيان، وهذه الجهود التي توزعت بين الوحدات المقاتلة وعناصر الوحدات الخاصة وبين الأعتدة والتجهيزات العسكرية وخاصة سلاح الجو والأسلحة المضادة لكل أنواع المقذوفات الجوية، من اتّجاه اليمن أو العراق أو لبنان وسورية، كبّلت مناورة العدوّ بشكل كبير، ومنعته من التفرغ والتركيز في معركته الصعبة في غزّة، وخلقت له صعوبات ومعوقات عسكرية وميدانية، ساهمت بقوة في هزيمته بمواجهة المقاومة الفلسطينية.
– من الناحية السياسية، بقيت مواقف قادة جبهات الإسناد وراء قرارات المقاومة الفلسطينية، داعمًا أساسيًا في تحصين موقفها وتثبيته، رغم مروحة واسعة من الإغراءات ومن التهديدات ومن الضغوط، والتضحيات الضخمة التي دفعتها أطراف محور المقاومة في إسنادها غزّة والشعب الفلسطيني، لم تستطع ثني هذه الأطراف عن موقفها، وأبقت جبهات الإسناد هذه قراراها بوقف تدخلها عسكريًا ضدّ العدوّ الإسرائيلي، مرتبطًا بالكامل بقرار المقاومة الفلسطينية وبخياراتها مهما كانت، وهذا الأمر شكل جبهة سياسية إقليمية، بدت وكأنها حاضنة قوية لموقف المقاومة الفلسطينية سياسيًّا وإعلاميًّا وعسكريًا.
من هنا، ومع الحراك الأميركي اللافت لإنهاء هذه الحرب، طبعًا ليس محبة ورأفة بالشعب الفلسطيني، وليس التزامًا بالقانون الدولي، وإنما كمخرج من ورطة حربهم الفاشلة ومن مستنقع العجز والخسائر غير المحتملة، يبدو أن الأمور تتّجه نحو سلوك التسوية السياسية بظروف وبشروط غير بعيدة عن مصلحة وإرادة المقاومة الفلسطينية وداعميها، وليكون ثبات المقاومة الفلسطينية وداعميها في محور المقاومة، الفاصل الرئيسي في إنهاء هذه الحرب المجنونة.
*نقلا عن : موقع أنصار الله