هناك فرقٌ بين أن تصلَ الحقيقةُ إليك قبل أن تنشُدَها أَو تبحثَ عنها، وبين أن تكون الحقيقةُ قد وصلت إليك بعد صراعٍ مُضْنٍ وَشاقٍّ، هناك فرقٌ بين الحالتَينِ في حجم الحاجة وَالقناعة وَالشعور وَاللهفة وفي مقدار الرضا والانسجام.
لا أحد يمكن أن يعيَ عظمة المنهجية القرآنية، ويستشعر فضائلها على نفسه، إلَّا شخصٌ كان ضالاً قبل أن ينتهجها، وَقبلها كان يعرف أنه ضال، وعلى هذه القناعة ظل يطرق أبواب الهداية، لم يُبْقِ فكرًا ولا منهجًا إلَّا وَقرأه وَلم يُشفَ غليله.
أمضى مشوارًا طويلًا من التيه بين كتب الفلسفات النظرية الدينية والإنسانية، ومسار مضنٍ في بهرج وزقازيق التسويق للحداثة، وبحث بين سطورها عن بصيص من نور، غير أنه لم يكن يرى في زوايا كُـلّ ما سبق سوى الضياع وَالعتمة، وانعدام الفضيلة والواقعية، والنهايات غير الحميدة.
من عتمة الطريق وَكثافة الدروب والمسارات التي تعترض الاختيار بقي الهدف البحث عن ذاته، عن الفطرة، عن حكمة الله من الخلق، وعلى طريق إبراهيم النبي في تسلسل القناعات كانت المناهج تأفل، ومع كُـلّ أفول تبدأ محطة جديدة مفعمة بالعزيمة للبحث عن محطات أُخرى.
في كُـلّ منعطف كان السؤال متوسلاً للخالق أن يتكرم بالهداية، أن يهبها اليوم قبل الغد، أن يختزل بقية المحطات التي قد لا تكتمل مع اكتمال العمر القصير، أن لا يجعل المشوار في الحياة عبثيًّا، إنها فلسفة الفطرة، التي لم يتقمصها أَو يستمدها من كُـلّ التجارب الإنسانية، كما لم تفلح هذه التجارب من إفسادها.
ليس أجمل من شعور من كان يبحث عن ضالته فوجدها..، اليوم نعيش هذه النعمة في ظل هذه المنهجية والقيادة الربانية، صحيح أن ثمة جدلًا قد يُثار، وضجيجًا قد يحاول النيل من المعتقدات، ما بين تشكيك أَو انتقاص أَو انتقاد أَو سخرية، غير أن كُـلّ هذا الجدل بات يدور اليوم خارجه، أما في داخله فقد سكنته السكينة والسلام مع نفسه، بعد عقودٍ من الصراع الداخلي في معركة البحث عن الذات، البحث عن القُدوة، البحث عن القائد، وفي الأول والأخير البحث عن الله، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه أن يكون.
*نقلا عن : موقع أنصار الله