|
في اليمن.. مراكز اللغات ليست للغات
بقلم/ محمد محسن الجوهري
نشر منذ: 4 أشهر و 21 يوماً الخميس 04 يوليو-تموز 2024 01:24 ص
الشغف بدراسة اللغات أمر طبيعي، وله جاذبيته في العالم أجمع، ومن البدهي أن يتحول ذلك الشغف الفطري إلى رغبة عملية لدراسة لغةٍ ما، وإتقانها عبر الاستعانة بالأماكن المتخصصة كالجامعات والمعاهد، حيث ينبغي أن تتعلم هناك اللغة، دون أن تخسر شيئاً من مبادئك الدينية والأخلاقية، كما هو الحال في كثيرٍ من بلدان العالم.
ويرى نعوم تشومسكي، مؤسس المنهج التواصلي لتدريس اللغات (Communicative Approach) على استثمار ذلك الشغف، أو خلقه من الصفر، بغية إتقان اللغة أولاً، ثم تعلم أكبر عددٍ من المفردات والجمل، والانخراط في الممارسة بشكلٍ مباشر، ومتابعة الإعلام في حال أراد الطالب أن يتقن لغة العصر، بعيداً عن لغة الأدب والتاريخ.
إلا أن مراكز تدريس اللغات في اليمن بعيدة كل البعد عن تدريس اللغة، وعوضاً عن ذلك تسعى إلى تكريس (عقدة الأجنبي) عبر التقليد الأعمى للغرب، وثقافته المجتمعية على حساب دراسة اللغة نفسها، حتى يصبحُ هًمُّ الطالب التشبه فقط بالإنسان الغربي، واستنساخ شخصيته الأجنبية تلك حتى لو تعارض ذلك مع قيمه الأخلاقية والثقافية.
وعلى سبيل المثال، يُطلب من التلميذ إتقان اللكنة (Accent) قبل أن يتقن اللغة نفسها، مالم فسيُنظر إليه مدرسوه وزملاؤه نظرة دونية واحتقار، مع العلم أن دراسة اللكنات هو تخصص بعيد عن دراسة اللغة، ولا يحتاج الطالب إليه ليتقن اللغة الإنجليزية.
فالهنود مثلاً، يتكلمون الإنجليزية بلكنتهم الخاصة، وكذلك سكان أمريكا اللاتينية، حيث يتكلمون الإسبانية والبرتغالية بلكنات مختلفة كلياً عما هو سائد في إسبانيا والبرتغال، ومن المعروف أن المتخصصين المتعمقين في دراسة اللغات (Métalangage Analyst) يرون بأن لكل مجتمع لكنته الخاصة به، ولا يشترط بأن يتقن أي فرد اللكنة الخاصة ببلدٍ ما، في حال أراد أن يتعلم لسان أهلها.
إلا أن ذلك التخصص العسير بات متطلباً لدى مراكز تدريس اللغات في بلداننا، ويضطر الطالب إلى دراستها خوفاً من الإرهاب الثقافي، والنظرة الدونية التي يتعرض لها منذ التحاقه حتى بالمستويات الأساسية في تلك المعاهد.
إلى جانب ذلك، يمتد الإرهاب الثقفي ليطال جوانب أخرى في حياة الطلاب، فعليهم أن يقلدوا النمط الغربي في اللبس والأكل، والتطبع بالطابع الغربي في كل تصرفاتهم، فيخرج الطالب من هناك مسخاً هجيناً بعد أن كان أصيلاً على الفطرة قبل التحاقه بدور محو الأخلاق الغربية.
ولك أن تجري دراسة ميدانية على تلك المراكز، لتتأكد بنفسك أن اللغة ليست الهدف من إقامتها، وأن الطالب هناك مجبر على إتقان اللكنة والجوانب الثقافية الأخرى المتعلقة بالحياة في الغرب، ولو على حساب شغفه الثقافي، وحتى مبادئه وقيمه النبيلة.
والأدهى من كل ذلك، أنها ترتبط بأجندات سياسية لصالح الغرب، سيما واشنطن، حيث تشرف الأخيرة على رسم سياسات تلك المعاهد، واستغلالها للإفساد الأخلاقي، وتجنيد العملاء والمرتزقة على نموذج الدعي "معمر الإرياني" الذي خرج منها بإفلاس قيمي واضح، وبرصيد هائل من الانحلال الأخلاقي، ما جعل منه عينة تسعى أمريكا إلى تعميمها، وخلق أكبر عدد ممكن من المسوخ اللا-إنسانية.
ونؤكد مجدداً، أن دراسة اللغات الأجنبية وتدريسها أمرٌ مهم ولا بد منه في مراحل معينة، ويستطيع الطالب أن يتقن أي لغة يريدها دون أن يضطر إلى أن يعوج لسانه سعياً منه لإجادة لكنة أهلها، كما أنه مطالبٌ بألاَّ يخسر شيئاً من مبادئه الدينية والأخلاقية، ولو وُسم بألقاب التخلف والرجعية، وعلى السلطات في بلدنا أن تشرف على عمل تلك المراكز، والحد من إرهابها الثقافي، من أجل الحفاظ على هويتنا الدينية، وتراثنا الثقافي الأصيل، وحماية مستقبل أبنائنا من الانحلال الأخلاقي، خاصة وأننا نعيش مرحلة ربما تكون الأصعب في تاريخ صراع الحضارات والأديان.
*نقلا عن : السياسية |
|
|