يوم الجمعة، الثامن عشر من مارس 2011 كُتب في ذاكرتنا ووعينا بِبرك الدم التي تجمعت
على الأرض في الطرفِ الجنوبي من ساحة
التغيير من أجساد المتظاهرين السلميين بعد صلاة الجمعة .
كان عناصر الأمن وأنصار النظام قد أقاموا جداراً عازلاً لِحصر ساحة التغيير ومنعها من التمدد ، وجهزوا فِرق قناصة اعتلت بعض البنايات وفي الشوارع المطلة على أطراف الساحة إلا أن الشباب الثائر تقدم واجتاز الجِدار وسط زخات الرصاص المصوب إلى الرؤوس والصدور .تمكن الشبان مِن اجتياز الجدار العازل بشجاعة مبهرة ومربكة لأمن النظام وأعوانه. ولم يكن الشباب الثائر بقادرِ على تحطيم الجدار الإسمنتي إلا بعد أن حطمَ حواجز خوفهِ وتردده ، وتسلح بإرادة أبطلت مفعول الرصاص والدماء والموت في ردعه .
في هذا اليوم العظيم من أيام شباب الثورة ، واليوم الدموي من أيام النظام القمعي حدثت أمور أخرى، دلت على المآلات التي آلت إليها ثورة الشباب وتضحياتهم وأحلامهم بيمن جديد خالِ من القمع والفساد والتبعية . أهم هذه الأمور :
1- قِيام اللجنة الأمنية في الساحة ، المشكلة من أحد الأحزاب حصراً بحجة خبرته وإمكانياته الأمنية ، والتي ضمت عناصر جمع بعضها خبرة الجهاد الأفغاني والأمن السياسي ، قامت فوراً بتسليم المتهمين بقتل الشباب إلى الفرقة الأولى مدرع ، التي كانت حتى ذلك الوقت أحد وجوه النظام وأكثرها فتكاً بالمعارضين . وهذا يعني أن طرفاً في النظام أرسل من يقتل الشباب وأن طرفاً في الوسط (في الساحة) أوصل القتلة بأمان وسلام إلى الطرف الآخر من النظام .
2- في مساءِ ذلك اليوم عقدَ رئيس النظام مؤتمراً صحفياً برأ خلاله أجهزته الأمنية وأنصاره من الجريمة وحملها طرفاً قال أنه يريد من جريمتهِ هذه تعطيل جهود الأشقاء في المملكة العربية السعودية التي تسعى للتوسط و)رأب الصدع.( كان هذان الأمران يلتقيان عِند نقطة واحدة : الحفاظ على النظام القائم مع بعض التغييرات السطحية والمزيد من تكريس التبعية للسعودية .كان التودد للمملكة السعودية وطلب تدخلها يحدث من الجانبين ، رأس النظام والقيادة الخفية التي استولت على الثورة الشبابية . وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يتمنع ويتدلل ويشترط فض الساحات قبل القيام بأي جهد . ورغم أن إحدى الجمع الثورية حملت إسم) جمعة رفض الوصاية يوم 8/7/2011( إلا أنها كانت في حقيقة الأمر ضرباً مِن العتاب للسعودية بسبب مواصلة تمسكها بعلي عبد الله صالح وإهمال من هم مستعدون لخدمتها أفضل مِنه .
سارت الأمور بعد ذلك كما يعرفها الجميع أي أن النظام القديم والجديد ، والثورة والثوار ،سلموا أمرهم لسفيري السعودية وأمريكا ، وأصبحت البلاد حاضرها ومستقبلها رهينة لما يخططانه ويوكلان إلى رجلهما اللعوب أمين عام مؤتمر الحوار تقديمه إلى الشعب اليمني باعتباره بضاعة يمنية خالصة .لا شك أن كل القوى السياسية اليمنية تتشارك مسؤولية التفريط في الوطن والثورة كل بحسب قدرته ، إلاّ أن العامل الحاسم يعود إلى الهيمنة السعودية الفجة والمفرطة والتي تمكنت خلال العقود الماضية من خلق نخب فاسدة ولكن مؤثرة تجعل مصلحة السعودية فوق مصلحة اليمن .
وعندما وجدت مملكة الهيمنة أن نخبها وقواها المدافعة عن مصالحها في اليمن قد فشلت ، ودخل المعترك السياسي لاعبون جدد لا يقبلون إلا بعلاقات ندية واحترام متبادل وحسن جوار ، جن جنون قيادة المملكة وأسيادها فأعلنوها حربا همجية مدمرة .
لم تتحقق تطلعات شهداء جمعة الكرامة لأن الهيمنة السعودية بقيت وتعززت ، وتبعية النخب السياسية اليمنية للسعودية ممثلة باللجنة الخاصة والمخابرات تعمقت وتوسعت . اليوم نتذكر شهداء جمعة الكرامة على بعد أيام قليلة من الذكرى
الرابعة لبداية العدوان الذي طمع بوضع اليمن تحت تبعية مطلقة بعد أن يتم تمزيقه وتشتيت شعبه ، ونحن أكثر ثقة بقدرة هذا الشعب على قطع يد الهيمنة وتدبر شؤونه بمشاركة كل أبنائه ، ولم يكن ذلك إلا ثمرة لدماء وتضحيات شعبنا بما في ذلك دماء شهداء جمعة الكرامة .