لم تفقد السعودية في اليمن وسائل الاقناع والابهار بل وفقدت هیبتها وأهم عناصر قوتها، وتحولت بفعل تنامي القدرات اليمنية من وضعية الهجوم إلى وضعية الدفاع المستميت من صواريخ باليستية وطائرات مسيرة تعجز عن تحديد قواعدها ولحظة إطلاقها ووجهتها ضمن مسرح عمليات يضم ثلاثمائة هدف عسكري وحيوي في العمق السعودي والإماراتي.
ولتكريس معادلة مطاراتنا مقابل مطاراتكم نفذ سلاح الجو المسير مؤخرا ثلاث عمليات متتالية في وقت وجيز بعدد من طائرات قاصف 2k على مطار أبها الإقليمي في هجوم هو الرابع من نوعه على هذا المطار خلال أيام والخامس بضربة كروز المجنح الذي أرسى معادلة لا أمن ولا أمان في مطارات جيزان ونجران وعسير إذا ما استمر العدوان والحصار.
ورغم بساطتها ومحدودية الأضرار الناجمة عنها، تصدرت طائرات قاصف الهجومية معركة الجو على مدى شهر عاصف لإسكات أزيز الطائرات الحربية المعادية بأنواعها المختلفة في أجواء اليمن والتأكيد أن ما بعد عملية التاسع من رمضان التي استهدفت مضختي النفط في الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض “بسبع طائرات مسيرة” ليس كما قبلها فثمة تحول استراتيجي يتمثل في الانتقال من الضربات المزعجة في العمق السعودي إلى الضربات الدائمة والأشد قسوة والتي من شأنها تعطيل المطارات السعودية وشل حركتها.
فاعلية الطائرات المسيرة وقدرتها الفائقة على المناورة واختراق أجهزة الرصد والرادارات الحديثة بالإضافة إلى زخمها المتصاعد كما ونوعا في الآونة الأخيرة يضع النظام السعودي أمام خيارين لا ثالث لهما فإما التسليم بالتغيير الحاصل في موازين القوى والعمل على مراجعة قراراته المتعلقة باستمرار عدوانه الغاشم أو المكابرة والمضي قدما في معركته الخاسرة متكئا على غطاء ودعم أمريكي لن يحقق له سوى المزيد من استنزاف الاموال والثروات وبالتالي تأزم الوضع الاقتصادي في المملكة واتساع مجال الطائرات والصواريخ بعيدة المدى لتطال قواعد ومنشآت اقتصادية حساسة أخرى لا فرق إن كانت في الرياض أو ما بعد بعد الرياض.
وبمجموع عمليات الطيران المسير خلال الأسابيع القليلة الماضية والتي تجاوزت العشر وتوزع لهيب نيرانها على المطارات السعودية الأقرب إلى الحدود اليمنية ما يضع على عاتق النظام السعودي إلى جانب الإخفاق والفشل في الحد من هذا التطور والتهديد مسؤولية سلامة المدنيين وشركات الاستثمار داخل المطارات المعلن عنها أهدافا عسكرية في إطار الرد المشروع على العدوان الغاشم.
وقبل عاصفة حزمها لربما كانت السعودية قوية ومهابة عند كثير من دول وشعوب المنطقة لكن ذلك لا ينطبق على الشعب اليمني الذي يختزن ذكريات غير حميدة عنها وعن تدخل ملوكها السافر في قرار البلد السياسي وشؤونه الداخلية إضافة إلى الأطماع القديمة المتجددة في قضم الأراضي شمالا وشرقا والرغبة في التمدد إلى البحر العربي من خلال التواجد العسكري السعودي في المهرة على حدود عمان.
وخلال الاعوام السابقة وبرغم اعتماد النظام السعودي على استراتيجية التجويع والإفقار وتفكيك الدولة وتدمير مؤسساتها بكل الوسائل وبعشرات آلاف الغارات التي أتت على كل شيء “مزارع، مصانع، البنية التحتية” إلا أن ذلك لم يكن عائقا أمام الإنسان اليمني للابداع واجتراح المعجزات في زمن الذل والهوان.
على خط صناعة الطائرات المسيرة ولحاجة المقاتل اليمني لما يقوي هجومه ويعزز خيارات دفاعه إلى جانب الصواريخ الباليستية كشف قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مطلع ألفين وسبعة عشر عن طائرات مسيرة يجري تصنيعها بآياد يمنية ضمن دائرة التصنيع العسكري تاركا الدلائل والتفاصيل إلى حين الفعل.
منعطف جديد في تاريخ المواجهة وتساؤلات عدة تركها ذلك الإعلان حتى السادس والعشرين من شهر فبراير ألفين وسبعة عشر حيث افتتح الشهيد الرئيس صالح الصماد والقيادة السياسية والعسكرية معرضا للطائرات المسيرة، بأنواع ومديات مختلفة مؤكدين أنها دخلت خط المواجهة بضربات استهدفت معسكرات وقواعد الغزاة والمرتزقة في مارب والجوف وذوباب في محافظة تعز ـ ومعسكرات سعودية في نجران وعسير وجيزان.
سبتمبر الفين وسبعة عشر، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يكشف عن تجارب ناجحة للطيران المسير بمديات أعلى وفاعلية أكبر تمهيدا لاستهداف منشآت حيوية ضمن مرحلة جديدة دشنتها طائرة صماد2 باستهداف شركة أرامكو في الرياض وقواعد أخرى في العمق السعودي، بينما حاول اعلام العدوان التقليل تماما من هذه العمليات ومحاولة الوصول إلى حلول أمريكية وبريطانية لايقاف هذا التهديد.
يوليو ألفين وثمانية عشر صماد ثلاثة تقصف مطار ابو ظبي، بعملية نوعية كانت صادمة ومفاجئة لدولة الإمارات التي لجأت إلى انكار العملية بعد الإقرار قبل أن تفاجأ مرة أخرى بضرب مطار دبي نهاية اغسطس بطائرة من ذات النوع وهو ما اعتبر انجازاً نوعياً لاعتبارات عسكرية وتقنية لها علاقة بالقدرات المحلية والخبرات المتصاعدة في التطوير العسكري.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، وخط انتاج وتطوير الطائرات المسيرة ومعها الصواريخ الباليستية في تزايد مستمر ارتفع معه عويل وصراخ المعتدين بقدر اتساع قائمة الاهداف في العمق السعودي والإماراتي الأمر الذي يفتح الباب على خيارات رادعة ومؤثرة وحاسمة لصالح اليمن وشعبه المحاصر.