قالت إيران أنها أسقطت طائرة تجسس أمريكية فوق مياه الخليج، كذّب الأمريكان الخبر ثم اعترفوا. وقال ترامب ربما حدث خطأ ما ارتكبه غبي، فردت إيران، لا، نحن استهدفناها وسنحرق المنطقة إذا نشبت الحرب. احترقت سفينتان في ميناء الفجيرة ثم حدث اعتداء على ناقلتي نفط فى بحر عمان، تشكلت لجان دولية لكشف غموض هذه الحوادث، وما زال الفاعل مجهولا.
الذي حدث أن حرق طائرة التجسس الأمريكية تم فى الخليج نفسه، أما الهجوم على ناقلات البترول فخارج مياه الخليج، ومن هنا نبدأ.
إيران هددت بإغلاق مضيق هرمز إذا لم تتمكن من تصدير بترولها لتحرم أسواق النفط العالمية من بترول العرب العراقيين والسعوديين والاماراتيين والقطريين والبحرين، أرسلت أمريكا أساطيلها فى استعراض احتفت به العربية وسكاى نيوز، ولم تمر عدة أيام حتى سحبتها إلى مياه المحيط فى صمت، قبلها وبعدها، وفى أقصى جنوب الجزيرة العربية، تقصف مسيرات يمنية محطتين لشركة أرامكو، وبعدها تعاود قصف قواعد عسكرية ومطارات مدنية فى العمق السعودي، ويسقط صاروخ بالقرب من مبنى السفارة الأمريكية فى بغداد.
أما فى أقصى شمال الجزيرة العربية قريبا من تل أبيب، فيعلن حسن نصر الله أمين عام حزب الله أن الحرب على إيران لن تقف عند حدودها، وأن المصالح الأمريكية فى المنطقة ستدمر ومعها كل الذين تأمروا معها خصوصا السعودية وإسرائيل .
تلك أحدث وليست آخر المشاهد القصيرة والمختصرة التي تشكل جزءا مهما من ملامح المرحلة منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني – الغربى ثم انسحاب أمريكا منه وهى بلا شك اللوحة المعبرة عن سلسلة حلقات عصر الانحطاط العربي منذ تدمير العراق واحتلال بغداد 2003. فبعد أن انكشف ظهر الأمة العربية فى العراق، تنكشف الآن بطنها فى السعودية وبينما تسمع طهران من يقول لها لست وحدك، سمعت السعودية من يقول لها اذهب أنت وربك فقاتلا.
لماذا وكيف؟ واقعية أدوات الاستفهام
دخلت الحرب على اليمن عامها الخامس وقد تتجاوزه، وبقى سؤال المواطن السعودي العادي بلا إجابة، لماذا نحارب فى اليمن.، بينما جاره اليمنى يجد إجابة فى كل مرة يسأل فيها نفسه، كيف نتصدى لهذا العدوان ؟ كيف ندافع عن وجودنا؟ كيف نهاجم؟ كيف نطور الهجوم؟ كيف نتعامل سياسيا مع هذه الكارثة؟
سؤال السعودي لنفسه لم يتجاوز لماذا؟ إذ أن بقية أدوات الاستفهام تكفلت العربية وسكاى نيوز بالإجابة عليها؟ قالت إن الحرب ستنتهى وتعود الشرعية خلال عدة أسابيع، فأجابت عن متى ؟ بينما كانت إجابة اليمنيين، قتال حتى يوم القيامة. وقالت إنه تم تدمير القدرات العسكرية لميليشيا الحوثي فأجابت عن ماذا، بينما أجاب اليمنيون بإحراق أحدث المدرعات الأمريكية بالولاعات وإنتاج وتطوير سلاح لا ترصده منظومات الدفاع الجوي الأمريكية، ووصل فعلا إلى قلب الرياض ؟ لم تجد العربية وسكاى نيوز أبدا إجابة مقنعة عن لماذا؟ إلا أن تحرم طرح هذا السؤال مرة أخري.
أما كيف، التي خط اليمنيون الإجابة عليها بالدم والعرق والصبر، فكانت إجابتها عند الرياض لدى الغير، من أمريكا حتى السودان مرورا بالمرتزقة، كل هؤلاء سيوردون السلاح ويخططون ويقاتلون ويروجون ويتكفلون بالخونة، رغم أن فكرة التضامن مع السعودية فى هذه الحرب فى حد ذاتها فكرة مهينة جدا، وهى الدولة الأغنى فى العالم ولا ينقصها لا المال ولا السلاح ولا الإعلام ... ولا الرجال.
مع تطورات الحرب والصمود المذهل للمقاتلين الحفاة العراة الجائعين فى مقابل التدمير الواسع لكل مظاهر الحياة فى بلد على قمة لائحة الفقر فى العالم قبل الحرب ومازال، وانطلاقا من فكرة الاستعانة بالغير هذه، ستجد أن هناك تطورا معنويا كبيرا جدا تزداد درجته يوما بعد اليوم، فمن خلال سير المعارك والمفاوضات ترتفع نفسية المقاتل اليمنى، على العكس تماما من شقيقه السعودي الذى ما زال واقفا أمام أداة الاستفهام لماذا؟ إذ أنه لا يجرؤ على تصور إجابة عليها.
بقى من أدوات الاستفهام المشهورة هل و كم ومن؟ والإجابات عليها سهلة ومعروفة، فالحرب لم تكن ضرورة إذا كانت الأداة هل؟ أما كم؟ فآلاف من القتلى والجرحى وملايين من النازحين والمشردين والجوعى والمرضى ومليارات من الدولارات اكتنزتها أمريكا والقوى صاحبة الكلمة فى العالم حتى تصمت. أما من؟ فأمريكا وإسرائيل هما اللتان تقفان وراء هذه الحرب، فى مواجهة ثورة حقيقية تريد التغيير انطلاقا من جنوب الجزيرة حيث البركان الذى ظل خامدا لمئات السنين.
من صنعاء إلى طهران لست وحدك
لا يذكر الحوثي إلا وذكرت إيران وحزب الله، ولا تذكر السعودية إلا وذكرت أمريكا وبريطانيا ومؤخرا إسرائيل، فهل ما زالت الرؤية غائمة؟
ولأن أي حرب لابد أن تتوقف مهما بلغت أعداد ضحاياها وتراكمت مآسيها أو طالت سنواتها، فسوف يكون لزاما علينا أن نبحث طويلا - ربما لسنوات - عن إجابة لسؤال على ماذا ستتوقف فى اليمن ؟