يمكن القول أن ثقافة إقصاء الآخر وتغيبه قديمة قدم الإنسان وقد بدأ التأسيس لثقافة الموت وأقصاء الآخر بفتوى سببها الحقد والحسد كما أخبر القرآن عن ذلك في قصة أبني آدم بقوله تعالى : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) ويعني ذلك : أنها أفتت واباحت وزينت فسهلت وتم التنفيذ بعدها .
ومن يشاهد اليوم القتل المجاني للمخالفين الذي تنفذه القاعدة وداعش في العراق وسوريا وليبيا واليمن - أخر تلك المجازر ما حدث لأسرة بيت الجنيد والسروري في عزلة الصراري وما حدث قبلها لأسرة بيت الرميمة في العام الماضي - يجب عليه أن يعرف أن هناك منهجاً فكرياً وأيدولوجيا يعتمد على فتاوي تشرعن لما تقوم به تلك الجماعات وتؤسسه عليها ، ومن أراد الوصول لتلك الحقيقة عليه أن يستخدم المنهج الحفري - الاركيولوجي - للوصول الى أصل ونسب تلك الأفكار .
فالفكر الداعشي لم يهبط علينا من المريخ ، بل هو بغل فكري تم استنساخه وتخليقه في مختبرات أمريكا من تلاحق حمار البدو الوهابي مع أنثى حصان تسكن في استطبل عيال سعود الملكي .
وكما هو معلوم أن الوهابية أسم أطلقه خصومها عليها ، أما الأسم الذي أطلقه مؤسسها عليها فهو أسم ( الموحدون ) لاحظوا الأسم وأقروا ما بين السطور - كما يقول المنهج التفكيكي - فإذا كانوا كذلك فذلك يعني أن الآخر المخالف لهم من أي ديانة ومن اي مذهب او طائفه - غير الوهابي - ليس موحداً على الإطلاق وإنما هو هو مشرك .
ولقد أنعكست تلك التسمية على علم دولة عيال سعود باعتباره رمزاً لها ومعبرا عن أيديولوجيتها، فالعلم باللون الأخضر يحتوي على كلمة التوحيد تحتها سيف وذلك يُقرأ - بناء على منهج التفكيك الدريدي - في نفس السياق السابق : أما أن تختار لا أله الا الله وتكون مع الموحدين الوهابية أو فالسيف سيحدد مصيرك - وذلك خلاف الاسلام القرآني الذي يقول في كثير من أياته :( لا إكراه في الدين ) وايضاً( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) - وبإمكانك أن تقارن أعدامات داعش للمخالفين للتوحيد الوهابي وليس التوحيد المحمدي بحد السيف .
ويخبرنا التاريخ أن كل من عارض الوهابية ووقف ضد دولة عيال سعود من قبائل نجد والحجاز وحائل وشمر سواء في إمارة الدرعية او إمارة الرياض - في عهود الدولة السعودية الثلاثة وحتى اليوم - أطلقوا عليهم أسم (العرايف ) وتعني : الإبل التي يستولي عليها البدو بعد عمليات الغزو والنهب والسلب للقبائل الاخرى .
هل عرفت يا صاحبي لماذا يسرق الدواعش بيوت المخالفين لهم في كل مكان ؟ لأنهم عرايف لا اكثر ولا أقل وليسوا موحدين كالوهابية وبالتالي فأن دمائهم وأموالهم وأعراضهم مباحة في كل زمان ومكان سواء عن طريق سيوف داعش او طائرات عيال سعود او مدافع عملائها ومرتزقتها .
والعلاقة بين الفكر الوهابي وداعش هي عين العلاقة التي تربط الأب بولده الذي من صلبه وهي نفس علاقة الصوت والصدى وهذا ما توصلت اليه العديد من مراكز الأبحاث الغربية
خصوصا بعد مقارنتها للمناهج التي تدرسها داعش في المناطق التي تقع تحت سيطرتها - خصوصا في سوريا والعراق وليبيا واليمن - كتب ابن تيمية وكتب محمد بن عبدالوهاب وهي نفس المناهج الوهابية التي تدرس في المدارس والجامعات التي تتبع المنهج الوهابي في السعودية ونفس المناهج التي قررتها طالبان يوم إن كان لها دولة في أفغانستان .
وعلى سبيل المثال من ضمن فتاوى ابن تيمية في كتابه ( منهاج السنة ) من أخرّ الصلاة عامداً فقتلوه ، ومن جهر بالنيةِ عامداً فقتلوه ، ويجوز للابن أن يقتل أباه اذا كان مشركاً ، وهذا الفكر هو الحليب الذي رضعته داعش وشبت عليه وظهر على أسلوب تفكيرها وطريقة عيشها وسلوكها .
ويمكن القول أن هجمات باريس الإرهابية - 13 نوفمبر من العام الماضي - التي نفذتها داعش شكلت قطيعة أيبستمولوجية عما قبلها من هجهمات وأعمال ارهابية وذلك لانها أيقظت الضمير العالمي من سباته الدجماطيقي ونبهت المجتمعات الغربية الى خطر الفكر التكفيري الوهابي المسئول عن كل التنظيمات والحركات الأصولية الاسلامية المتشددة .
هذا الفهم المتأخر كان قد نبه اليه وحذر منه الفيلسوف الفرنسي المرحوم (روجيه جارودي ) في كتابه عن الأصوليات في بداية تسعينات القرن الماضي ، قائلاً: إن الأصولية الوهابية وفهمها للإسلام يشكل خطرا على الاسلام والمسلمين اولا وعلى غير المسلمين ثانياً .
ولديه الحق فيما قال وذلك لان الوهابية ترى نفسها المعبر الحقيقي والوحيد عن الاسلام وغيرها - من المذاهب والطوائف والديانات - هم الباطل الذي يجب أن يعود الى الحق الوهابي بمنطق القوة وليس بقوة المنطق او أن يموت ، فهم الفرقة الوحيدة الناجية وغيرهم فرق ضالة مظلة وهم أصحاب السنة وغيرهم أصحاب البدع - وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة وصاحبها في النار - بالمختصر هم كفار يجب قتلهم والتقرب بدمائهم الى الله - ومن رحم ذلك الفهم الصحراوي العقيم والمغلوط للإسلام خرجت القاعدة وداعش وأخواتها في الغي والضلال ، تلك الحركات التي ذبحت الاسلام - على الطريقة الاسلامية - وجعلت من دين الاسلام والسلام وبسم الله الرحمن الرحيم -ومن تحية الاسلام التي جعلت من السلام شعاراً لها - دينا للقتل والحرب والإعدام والذبح والسحل والحرق وكل ما لا يمت لجوهر الإسلام بصلة .
الغربيون كانوا يعرفون جيدا أن الفكر التكفيري الوهابي هو أس الأرهاب وأساس القاعدة وأخواتها في كل زمان ومكان ، لكن اللوبي السعودي وحاجة الغرب لنفط البقرة الحلوب كان يقف حاجزا دون مهاجمة الأصل والاكتفاء بتقليم الأطراف متى ما اشتد عودها وحانت الفرصة لذلك .
فعقب أحداث 11سبتمبر 2001م في أمريكا - التي اشترك فيها خمسة عشر سعودياً من أصل ثمانية عشر - أقترح سيناتور أمريكي بضرب السعودية مباشرة بدلا من غزو أفغانستان والسبب الذي أبداه كان منطقيا وهو أن ضرب رأس أفعى الأرهاب سوف يقضي على ذيولها المنتشرة في كل مكان ، لكن مصالح الرئيس الامريكي جورج بوش - الابن - وأرتباط شركاته بمشاريع مباشرة مع السعودية جعلته يكتفي بضرب ذيل الأفعى في أفغانستان والذي ما لبث أن عاد في العراق وبعدها في سوريا .
وعقب احداث باريس وصف (توماس فريدمان) - وهو من هو في الصحافة والسياسة الامريكية - تنظيم داعش بأنه نسل أيديولوجي للسعودية ، وفي نفس السياق إتهم ( سيغمار غابريل ) - نائب المستشارة الألمانية ميركل - النظام السعودي بالأسم وللأول مرة بتمويل التطرف الاسلامي في الغرب على حد قوله وصرَح قائلا: علينا أن نوضح للسعودية أن وقت صرف الأنظار قد ولى .
وبات صانعو السياسة في أوروبا من نواب وساسه وصحفيون وحقوقيون يعرفون - ويعترفون أيضاً - أن المعركة مع إرهابيي القاعدة وداعش هي معركة حول الأفكار ومن خلال الأيديولوجيا قبل أن تكون معركة السلاح والبنادق .
لقد بات جلياً الان أن ثروة النفط الصخري المكتشف في كندا وأمريكا قد جعلت أوربا وأمريكا اقل اعتمادا على النفط السعودي في الوقت الراهن وسوف تستغني عنه نهائيا بحلول العام 2020 وبالتالي فإن زمن المجاملات والبرجماتية المرتبط بالحاجة وبالمصلحة قد ولى
الى غير رجعة وتوضحت الرؤية الآن وحُددت العبارات التي أرجعت الأرهاب القاعدي والداعشي إلى أصله الوهابي ومتنه السعودي .
وإذا كان الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر قد قال إن الآخرون هم الجحيم ، فإن الوهابية قد رأت في الآخرين المخالفين لها بأنهم كفارا يجب ان يتم اقصائهم في الدنيا ليذهبوا الى الجحيم في الآخرة .
وهذا ما توصل اليه (ديفيد كومينس ) عندما قرأ كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب فقال : ( اذا لم يتفق أحدهم مع وجهة نظره عن التوحيد فعليه أن يُغير دينه أو يموت ) وما يحدث لنا في اليمن من عدوان همجي بربري وهابي هو أننا رفضنا دين محمد بن عبدالوهاب ولم نُغير دين محمد بن عبدالله .