من لا يبحث عن جواهر النقد البنّاء ويضيق ذرعاً من كلمة الحق فهو إمّا فاسد أو مستعد للفساد، وإياكم أن تتحول المعركة مع الفساد أو بالأصح الإفساد الممنهج إلى ضجيج إعلامي لأن هذا هو جوهر ما اعتمد عليه نظام الإفساد الممنهج ، وهناك من يهندس لبقائه كمنهج للحكم عن طريق الفرقعات الإعلامية ضد الفساد كتنفيس لحالة الاحتقان أو كما يقال عملية استباقية لتجنب أي تداعيات والبعض لا يدري أن مردودات هذا العمل إلى جانب كونه ذات المقت الذي ذكره الله في القرآن الكريم في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف آية (2) إلى جانب ذلك فإنه طريق الانهيار الشامل !؛
الإعلام عمل يجب أن يبقى جزءاً حقيقياً من منظومة إعادة بناء سلطات الدولة بالأفعال لا بالأقوال وتصحيح مسارها وليس الدولة لأن الدولة اليمنية موجودة منذ آلاف السنين ، الخلل والانحراف في كيفية تسيير عمل السلطات والتسابق عليها باعتبارها كعكة لتقسيمها بين لصوص الحكم والأحزاب البعيدين عن التقوى والورع والإحساس بالمسؤولية والذين استقر لهم الحكم برعاية الدول المهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة الواقفة بقوة ضد إرادة الشعوب في الحرية والسيادة والخروج من دائرة الفقر والتخلف ، وعصابات الإفساد المنظم في الوقت الذي تدير فيه حركات تشويه عمل منظمات المجتمع المدني بالدعوات الكاذبة للحكم الرشيد مع الدعم والحماية لتمكين وبقاء حكام الفساد لعقود وتوجيه آلة الإعلام للإشادة بمناقبهم ورشادهم بما يوحي بوصف حكمهم بالصالح والرشيد .
ومع استمرار الأنظمة المفسدة المدعومة تحولت تلك المصطلحات إلى مفردات إعلامية مفرغة من المحتوى أو شعارات للمزايدة والتضليل الإعلامي يُذَر بها الرماد في عيون الطامحين في بناء دول خالية من الفساد أو بالأصح خالية من الإفساد الممنهج؛
والمقصود بالإفساد الممنهج كذلك أن تتحول سلطات الدولة إلى ما يشبه حجر الرحى في طاحونة الإعلام المفرغ من العلم والمسؤولية وأحد مظاهره النفخ في رموز الحكم وتحويلهم مع الزمن إلى بالونات منفوخة حاملة لفيروس الغرور الذي يقتل الإحساس بالمسؤولية بمرور الوقت ويحول صاحبه إلى كائن مستهتر لا يقبل النقد بل ويصبح نقده مساساً بالذات المؤلهة ، وتتحول أدوات السلطة في عملية الإفساد الممنهج إلى جدار عازل لأي محاولة للإصلاح الجاد بمبررات عديدة تختلف باختلاف الظروف لأن التعلل بالظروف هي حصان طروادة الدائم تمتطيها المبررات المبتكرة باستمرار؛
والإفساد الممنهج له زعماء وعلماء وأبواق إعلامية تزينه وتجهزه وتحلل أفعاله وتحرم أفعال منتقديه أو الخارجين عليه وتجعل كل أدوات الإعلام ناطقة باسمه ومسبحة بحمده مفسرة لكلماته.
فهو الملهم وهو الأفخم والأعلم والأكثر حكمة ودراية ومعرفة وحنكة وتقديراً للظروف وحرصاً على وحدة الصفوف ولهذا يجب أن يطاع دون مناقشة أو حوار، هذا منطق السلطة المطلقة وحالها التي لا تؤدي إلى انهيار الأنظمة فحسب بل والمجتمعات .
ومشكلتنا مع منظومة الإفساد الممنهج أن الرموز الذين وضعتهم الأقدار والمقدرات والظروف وأبقتهم عقوداً في مواقع السلطة في ظل زعامة الفساد ما تزال محكومة بهذه الآلية لاعتقاد البعض أن ذلك هوعين الحكمة التي أبقت من قَبلهم في السلطة.
لا أتحدث هنا عن نظرية المؤامرة الملعونة التي يستفز الحديث عنها بعض المتجذرين من رموز الثورة المضادة أو ما يعرف بالدولة العميقة فهؤلاء لديهم القدرة على صد أي فضح لأحابل مؤامراتهم وجعل من يتحدث عنها في نظر صناع القرار متوهمين ومرجفين في الأرض أو مرتجفين من لسعات الدبابير وكيد الكائدين المدربين والمتدربين للسباحة في بركة الإفساد الممنهج، لاحظوا أني قد اعتمدت استخدام مصطلح الإفساد الممنهج تجنباً لاستخدام مصطلح الفساد غير المحترم الذي أصبح على كل لسان والذي لا يجوز أن نرمي به الفاسدين المحصَّنين بغير دليل.
لابد أن نجد أسلوباً شرعياً وقانونياً لإثبات وجود الشمس في رابعة النهار أو حتى في خامسته!!، ومقتضى العدالة هكذا تقتضي أن ندافع عن المفسدين بنظام حسب الأستاذ محمد الحلبي * ما داموا شركاؤنا في سلطة الإفساد الممنهج الذين لا يرضى العدوان بغيرهم بديلا إلا من التحق بمدرسة هذا الإفساد والذين كان لهم دورهم الكبير في طعن أبطال الجيش واللجان الشعبية من الخلف بفسادهم وإصرارهم على فتح عدة جبهات داخل الجبهة الداخلية كلما ازدادت الجبهات العسكرية اشتعالاً.
والإعلام الكاذب المظلِّلْ والمطبِّلْ والمزَمِّرْ والمُرمِّزْ كان ولايزال ويبدو أنه سيظل لفترة يعلمها الله أحد تجليات العدوان وروافده، والأمل كبير في أنّ قيادة الثورة ومقاومة العدوان السعودي الإماراتي الموجه أمريكياً وصهيونياً تعي جيداً حجم هذه المخاطر!!!.
من تراث الشعر العربي:
ياجاهلاًغرّهُ إفراطُ مادحه لا يغلبنْ جهل من أطراك علْمَكَ بكْ
أثنى وقالَ بلا علمٍ أحاط به وأنت أعلم بالمحصولِ من رِيبكْ
*أحد قادة حركة 1948سوري الجنسية وصل إلى اليمن ضمن البعثة السورية التعليمية وأقام بها