تتمتع الشعوب بذاكرة تاريخية لا تنسى، وبوعي وطني مدهش يفوق خيال الروائيين، ويتوفر لدى الجماهير الشعبية احساس حاد ومرهف بالانتماء الوطني حتى ولو لم تكن لديها معرفة علمية متخصصة عن تاريخها والتمسك بوحدتها الإقليمية والسياسية، والجماهير الشعبية اليمنية اليوم- وفي مواجهة العدوان- ترى في جيزان ونجران وعسير أراضي يمنية محتلة، فلم تعد هذه القضية في سجل التاريخ، بل خرجت إلى اهتمام الرأي العام اليمني، وعبر التاريخ اليمني مثلت ضرورة استعادة اقاليم جيزان ونجران وعسير جزءاً من قضية تحقيق الدولة اليمنية الموحدة المستقلة، وهي عملية تاريخية، بدأت حركتها منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولا تزال مستمرة.
بداية النزاع حول عسير ونجران وجيزان
بدأ النزاع اليمني ـ السعودي، على نجران وعسير وجيزان، عندما حاولت الدولة السعودية الأولى مد نفوذها إلى هذين الاقليمين اليمنيين والى حضرموت وكان ذلك في مطلع القرن التاسع عشر، إلا أن محاولة النفوذ السعودي هذه انتهت بفعل الانتفاضات والحروب اليمنية التي شنت ضده، وبفعل زوال الدولة السعودية نفسها على يد جيش محمد علي والي العثمانيين في مصر، ثم تجددت في التوسع العدواني السعودي في عام 1934م وظل معلقاً باتفاقية الطائف المجحفة.
في تاريخ 17 /3 / 1973م صدر البيان اليمني- السعودي إثر زيارة رئيس حكومة صنعاء آنذاك القاضي عبد الله أحمد الحجري إلى الرياض، وجاء في ذلك البيان: ان الجانبين اليمني والسعودي يؤكدان (اتفاقهما التام مجدداً على اعتبار الحدود بين بلديهما حدوداً فاصلة بصفة نهائية ودائمة).
وما أن أُذيع هذا البيان، حتى انطلقت المظاهرات الطلابية والشعبية في المدن اليمنية الرئيسية، صنعاء، وتعز، والحديدة، تطالب بمحاكمة الحجري.
فقد اعتبرت الجماهير اليمنية ان التنازل عن الأراضي اليمنية ،جيزان ونجران وعسير، بصفة نهائية ودائمة خيانة وطنية عظمى.
لم تقتصر حركة الاحتجاج الشعبية على الطلبة اليمنيين في الداخل اليمني والخارج، بل شملت كل المنظمات والقوى الوطنية في شمال البلاد وجنوبها، بما فيها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الشطر الجنوبي من الوطن، كما ان الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية في الشمال رفعت شعار “نجران وجيزان وعسير أراضٍ يمنية” ودعمت القبائل الحدودية التي كانت تتعرض لهجمات سعودية حتى ذلك الحين.
من المعروف تاريخيا، ان الحدود الجغرفية للوطن اليمني، تنتهي عند ميناء (الليث) في اقصى عسير تهامة، فكانت عسير السراة وعسير جزءاً لا يتجزأ من الوطن اليمني عبر التاريخ كله.
اقليم عسير بجزأيه الجبلي والتهامي كان يشكل إحدى متصرفيات ولاية اليمن التركية، وقبل الاسلام كان اقليم نجران بواحاته -المقروء عنها- أحد الاقاليم اليمنية التابعة للدولة الحميرية اليمنية، والتي تسكنها جماعات من (يام) تابعة لقبيلة همدان اليمنية، ولعل قصة (الاخدود) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، واحدة من الأدلة التاريخية على تبعية نجران لليمن.
تجدَّد النزاع الحدودي اليمني – السعودي مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى، ففي هذه المرحلة ظهرت المطامع التوسعية السعودية في عسير ونجران وجيزان مباشرة واستمر النزاع الى عام 1934م، وقد انتهى بمعاهدة الطائف.
سجَّل عام 1934م لحظة ركود وتوقف عملية توسع الرقعة الاقليمية للدولة الوطنية ممثلة بالمملكة المتوكلية اليمنية ،وكان توقف تمدد الدولة اليمنية واستعادة أجزائها التاريخية على الاتجاهين الشمالي على حدود المملكة السعودية والجنوبي مع الاستعمار البريطاني، ففي ذلك العام انقطع خط السير نحو الوحدة اليمنية الكبرى.
وقد شهد عام 1934م تعاوناً وثيقاً بين الامبراطورية الاستعمارية البريطانية والمملكة الوهابية السعودية التوسعية، انصب هذا التعاون الاستعماري التوسعي المعادي لليمن، من أجل تسديد ضربة مُدمِّرة وقاتلة لحركة التوحيد اليمنية.
وكانت الحرب الشاملة التي اعلنها ابن سعود ومن خلفه الانجليز مؤامرة دولية جوهرها تمزيق ما تبقى من جسد الدولة اليمنية وسحق شخصيتها الوطنية وتحويلها إلى مجرد ملحق من مُلحقات نجد واسقاطها ضمن دائرة النفوذ الخارجي السعودي والبريطاني معاً، وهذه المحاولات انكسرت في 1934م، وتعود اليوم مجدداً تحت مظلة العدوان السعودي الأمريكي الذي يحاول مسح الهوية اليمنية، وتفكيك وحدة اليمن الجغرافية، وتمزيق وحدته الاجتماعية والسياسية وتحويله إلى أقاليم مناطقية طائفية مُتحاربة.
وأحفاد الثوار اليمانيين الأوائل الذين طردوا البريطاني والعثماني وتصدوا للتوسع السعودي، هم حاضرون اليوم للدفاع عن حياض الوطن اليمني، واستعادة حريته الوطنية وتثبيت حقوقه التاريخية.
المراجع:
كتاب سياسة العدوان السعودي على اليمن للدكتور محمد علي الشهاري
كتاب الاطماع التوسعية السعودية في اليمن للدكتور محمد علي الشهاري
كتاب تاريخ العربية السعودية للمؤلف السوفياتي أليكسي فاسيلييف