استطاع الجيش اليمني الصمود خلال حرب 1934م التي لم تكن متكافئة من ناحية التسلح،
صمد الجيش اليمني في المناطق الجبلية التي يجيد فيها القتال بأسلحته المتواضعة، ونظراً لفقدانه المعدات الحربية الحديثة التي كان يمتلكها الجيش السعودي المدعوم بريطانيا، اضطر الجيش اليمني أن يخلي تهامة، للزحف السعودي المجهز بالآليات المتقدمة نسبياً، فكان من السهل على العدو السعودي بلوغ الحديدة ولم يحاول قائد جيش الغزو السعودي الأمير فيصل محاولة اقتحام (العقبة) بالتقدم نحو المنطقة الجبلية، وفضّل المكوث بالحديدة، فقد اثبتت كل تجارب الجيش العثماني ان محاولة صعود الجبال اليمنية مكلفة للغاية.
بانكسار القوات السعودية في صعدة، وبقائها في الحديدة معرضة للهجوم اليمني من الهضبة،
كان على الملك السعودي إعادة النظر في استراتيجيته التي دخل بها الحرب، وهي الاستراتيجية الطامعة إلى اخذ اليمن كلها وضمها بمملكته الوهابية، فاقتنع بالانسحاب من تهامة، مقابل الإبقاء على عسير ونجران تحت سلطانه.
وعلى هذا الأساس عقدت معاهدة الطائف لمدة عشرين عاماً قابلة للتعديل والتجديد، وبمقتضاها تركت اليمن الملكية أمر عسير ونجران (معلقاً) حتى جاء رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني، الذي تجاهل حق اليمن في تعديل وتجديد هذه المعاهدة، وخول ممثليه القاضي عبد الله الحجري رئيس الوزراء ومحمد أحمد نعمان نائب رئيس الوزراء بإصدار البيان اليمني ـ السعودي الذي أُعلن في 17 / 3 / 1973م، واعتبرت بمقتضاه الحدود اليمنية السعودية نهائية مرسمة بشكل نهائي، وهو ما يتناقض مع فحوى وروح المعاهدة.
كان موقف الضعف العسكري اليمني خلال حرب 1934م هو ما دفع الإمام يحيى بقبول ايقاف الحرب والدخول في معاهده الطائف، إلا ان الدولة اليمنية لم تتخل عن يمنية الأراضي المحتلة، عسير ونجران وجيزان.
فقد احتفظت بحق إعادة النظر في المعاهدة في الوقت الملائم، حيث نصت المادة 22 على أن تظل المعاهدة (سارية المفعول مدة عشرين سنة قمرية تامة، ويمكن تجديدها أو تعديلها خلال الستة أشهر التي تسبق تاريخ مفعولها، فإن لم تجدد أو تعدل في ذلك التاريخ، تظل سارية المفعول إلى ما بعد ستة أشهر من إعلان أحد الفريقين المتعاقدين للفريق الآخر رغبته في التعديل). ويتضح من نص الاتفاقية أن المعاهدة لم تكن (نهائية) وانها لم تعط (حقوقاً ثابتة ودائمة) للطرف السعودي السائد في المنقطة، حتى ولو لم يجددها أو يعدلها الطرفان المتعاقدان.
لم يكن التنازل عن الأراضي اليمنية، الذي قام به الرئيس الإرياني فقط مخالفاً لاتفاقية الطائف ذاتها، بل ان هذا الإعلان كان مخالفاً أيضاً للبيان الجمهوري الذي صدر عام 1965م وأعلن فيه اليمن تمسكه الكامل والمطلق بملكية وتبعية عسير ونجران للجمهورية العربية اليمنية، أرضاً، وبشراً، وتاريخاً، ومصيراً.
وجدير بالذكر أن مجيء الارياني إلى رئاسة السُلطة في الجمهورية العربية اليمنية، جاء بدعم سعودي، بعد ان دبرت القوى الموالية للسعودية في الصف الجمهوري انقلاباً على الرئيس عبد الله السلال في 5 نوفمبر 1968م حيث انه كان للرئيس السلال موقف مقاوم للهيمنة السعودية وللعدوان السعودي على الثورة، ويُعتبر السلال اول قائد يمني دعا لمواجهة السعودية بعد الإمام يحيى.
بيان التنازل عن الأراضي اليمنية وتسوية القضية الحدودية بشكل نهائي، في عهد الحكومة الموالية للسعودية برئاسة الإرياني، لم يكتسب هذا البيان آنذاك أية مشروعية قانونية، إذ لم يكن هناك أي مؤسسات دستورية منتخبة ديمقراطياً، لتعبر عن قرار الشعب اليمني مصدر السيادة في قضية بهذه الأهمية، التي قدم في سبيلها قوافل التضحيات والتي ترتبط بنضاله الطويل من أجل بناء الدولة الوطنية اليمنية وبعث أمجاده وحضارته التاريخية السبئية والحميرية.
توالت الحكومات اليمنية الموالية للسعودية وتوالت التنازلات في القضايا الداخلية والخارجية، استمر التدهور اليمني، حتى جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م الثورة الشعبية التي صححت مسارة ثورة فبراير، وأعادت السيادة على القرار والمصير الوطني للشعب اليمني، ومن أجل قمع حرية الشعب اليمني ونهب حقوقه تشن المملكة العربية السعودية عدوانها الاجرامي، منذ ثلاثة أعوام.
ولذلك فإن قضية المخلاف السُليماني نجران وجيزان وعسير تبقى (مشكلة حدودية) بين اليمن والسعودية تنتظر الحل العادل، بما يضمن حسن الجوار والأخوة والاحترام المتبادل والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين.
المراجع
• كتاب سياسة العدوان السعودي على اليمن للدكتور محمد علي الشهاري
• كتاب الاطماع التوسعية السعودية في اليمن للدكتور محمد علي الشهاري
• كتاب تاريخ العربية السعودية للمؤلف السوفياتي أليكسى فاسيلييف