الموت هو الحق الذي لا مناص عنه، والنهاية الحتمية لكل البشر على هذه البسيطة، فهو الأجل المحتوم الذي يتربص بنا جميعا، الرئيس والمرؤوس، الراعي والرعية، الغني والفقير، الكبير والصغير، الأبيض والأسود، المسلم والكافر (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وما دام الموت ينتظرني وينتظرك، وينتظر الجميع، فلماذا لا نعقد صفقة مع الله جل في علاه، نستثمر من خلالها موتنا، بحيث نجني من وراء ذلك المكاسب الكبيرة والأرباح المهولة جداً التي لا تخطر على قلب بشر؟!!.
وقد يسأل سائل وكيف نستثمر موتنا؟!! وهل الموت تجارة تدر على صاحبها المال الوفير والأرباح الخيالية؟!!، فبإمكاني وإمكانك أن نستثمر موتنا من خلال الدخول في تجارة مع الله عز وجل بالجهاد في سبيله وإعلاء رايته، فاللحاق بركب المجاهدين يجعل منك تاجراً مع ربك، ويمنحك مكانة رفيعة، ومنزلة عالية، وإذا ما تحقق النصر على يديك فإنك تنال محبة الله ورسوله، وتحظى بمكانة عظيمة تليق بالعطاء الذي قدمته، وإذا ما أنعم الله عليك بالشهادة، فأنت بذلك تنتقل من الحياة المؤقتة، إلى الحياة الأبدية والنعيم الخالد الذي لا يفنى ولا ينفد، ويمنحك الله مكانة تليق بمقامك الرفيع بصحبة الأنبياء والصديقين والصالحين، وستحظى بالعطاء الإلهي اللامحدود، الذي أعد وجهز خصيصاً من أجلك، هذا العطاء هو محصلة لتجارتك الرابحة مع الله، وستحصد أرباحها وفوائدها ومكاسبها الدائمة هناك في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض.
وما دام الأمر كذلك فلماذا الغفلة؟!!، ولماذا كل هذا اللهو والإعراض عن نصرة الحق والمشاركة في الدفاع عن الأرض والعرض والسيادة والكرامة؟!!، نشارف على دخول العام السادس من العدوان والحصار، قدم الوطن كوكبة من الشهداء العظماء، وما تزال مواكب الإباء والشموخ متواصلة يوميا، وما يزال التوافد على الجبهات لإسناد المجاهدين من جيشنا ولجاننا مستمراً وعلى وتيرة عالية، في الوقت الذي ما يزال الكثير من شبابنا يغرقون في حالة من التيه والغفلة واللامبالاة والإعراض عن الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الوطن وذوداً عن حماه وصوناً لمكتسباته، يشعرونك وكأن العدوان والحصار على دولة غير اليمن، وعلى شعب غير الشعب اليمني، يغرقون في الملذات ويلهثون خلف إشباع الرغبات والشهوات، وكأن القتال كتب على غيرهم؟!!، وكأن اليمن لا يستحق منهم القتال من أجله لمواجهة قوى الغزو والاحتلال؟!!!.
فيسقط العديد منهم قتلى في خلافات شخصية، أو في حوادث مرورية، أو بجلطات دماغية وذبحات صدرية، ولو أنهم استثمروا موتهم، وعملوا على أن يجعلوا لحياتهم قيمة، لكانوا اليوم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فما أكثر شبابنا الذين يهدرون حياتهم في متابعة آخر تقليعات الموضة في قصات الشعر، والأزياء، وغيرها من مجالات اللهو والضياع والإغواء وتجدهم يسخرون من المجاهدين، ويقللون من شأن الشهداء، ويشتغلون في جانب التثبيط للحيلولة دون رفد الجهات بالمقاتلين، ويعملون على ضرب نفسيات المجاهدين، والبلبلة في أوساط المجتمع، وللأسف خاتمة هؤلاء لا ترضي الله ولا رسوله، وغالباً ما تكون خاتمة سوء.
بالمختصر المفيد، ما دمنا على قيد الحياة، وما دام الغزاة والمرتزقة يعتدون على بلادنا وشعبنا، ويسعون لاحتلال أرضنا وانتهاك سيادتنا ونهب ثرواتنا ومقدراتنا، فالفرصة ما تزال متاحة لنا كي نستثمر موتنا ونجعل منه حياة واستثماراً لنا، فمن يدري كيف ستنتهي بنا حياتنا الدنيوية الزائلة، وكيف سنلقى الله؟!!، ولنحرص على أن نستثمر موتنا وأن لا نموت على الفراش كما تموت البعير، أو نموت على باطل ونحن في حالة من الغفلة والضياع، فيحل علينا غضب الله وسخطه.
الرحمة والخلود للشهداء الأبرار، والشفاء للجرحى، والحرية والخلاص للأسرى والمفقودين، ولا نامت أعين الخونة العملاء، والنصر والتمكين لليمن واليمنيين، (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.