شُبّه لهم فضجّوا العالم بأنهم أسروا قيادياً في الجوف
قتلوا صاحبي وبقيت وحدي في مواجهة المدرعة
اعتقدوا أننا نتحرك بمخازن سلاح وكلامي كان يستفز “الرجل المقنع”
سألوني ما نوع الحبوب التي تمنحكم الشجاعة لتقتحموا؟ فقلت لهم: “الإيمان”
أحضروا شيخا يقرأ القرآن وفي اليوم السابع حدث شيء غريب
وحده بسلاحه الشخصي “الكلاشنكوف” واجههم فيما كانوا هم مجموعة أفراد متحصنين بمدرعتهم ولم ينالوا منه.
طاشت رصاصاتهم عن إصابته، ثم فجأة يقف متأملا في ما عليه عمله من فعل، أي قرار صائب عليه اتخاذه، نفدت الذخيرة من السلاح وعليه وضع “قرن” رصاص جديد، لم يكن الوقت في صالحه كانوا قد اقتربوا منه كثيرا فهل يولي هاربا منهم؟ إيمانه منعه، قضيته منعته، فما جاء غازيا وما جاء محتلا وإنما جاء محررا الأرض من تكبِّر وغرور بعض إخوته اليمنيين المأخوذين بزينة الشيطان.
بقي ثابتا في مكانه ليبدو المشهد مثيرا للدهشة والإعجاب.. شاب عشريني تملّكه الإيمان فمضى مجاهدا بمعية الله وما وهن، وقع في الأسر فكان بالنسبة للأعداء حالة استثنائية، كان بمثابة صيد ثمين، حسبوها نقطة يحققونها في المعركة فأخبروا العالم عن أسرهم له، ثم إذا به الناجي الوحيد من الأسرى الذي فك الله أسره المجاهد حامد يحيى حسن القاسمي.
الثورة / وديع العبسي
كانت نبرات صوته متعبة لكنه كان مبتسما طوال الوقت، أحسست برغبته في الترحيب بي وإفساح المكان لي لأجلس إلى جواره لكن حركته كانت صعبة حيث كان يرقد للعلاج.. اسمه أثار نفسية العدوان، فتصوروا انه واحد من القيادات الميدانية للجيش واللجان، وربما أرادوا فقط استثمار التشابه في الاسم للترويج لإنجاز (وهمي) بأسر قيادي عسكري.
يقول حامد “سألوني عن اسمي، فقلت لهم حامد يحيى حسن القاسمي، قالوا ابو محمد القاسمي؟ قلت لهم لا، حامد القاسمي.. ثم عرفت بعد ذلك إنهم أثاروا الموضوع في الشبكات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بأنه تم أسر القيادي أبو محمد القاسمي”.
حكاية المجاهد حامد القاسمي، واحدة من الحكايات الداعية للتوقف والتأمل في تفاصيلها بروح إيمانية.. تؤكد انه ليس المهم التوكل وإنما صدق التوكل، وليس المهم الإيمان وإنما صدق الإيمان، استشعار الإيمان ثم ترجمة كل ذلك في الحالة الجهادية التي تعيشها، وهكذا كان الأمر مع المجاهد حامد القاسمي منذ لحظة العزم على اختراق صفوف العدو ولذلك انتهت حكايته إلى شواهد على تدخّل الله.
على بعد خمسة امتار
يبدأ المجاهد حامد القاسمي سرد عملية أسره ببساطة، ولم يكن في الأمر إنجاز بطولي فمن قام بأسره وجده ملقياً على الأرض مغميا عليه.. يقول القاسمي: كان يوما كأي يوم نتوق فيه للتحرك نحو الأعداء وتحرير ارضنا.. كنا في جبهة الشقب منطقة الغيل تحركنا وكنا مجموعة في عملية اقتحام والأرض مفتوحة تحرَّكت في اتجاهنا بعض المدرعات، في حركة الميدان انتشرنا وكان صاحبي واسمه أبو زيد ومعه الآر بي جي في الأمام مني اقرب إلى إحدى المدرعات، صوَّب في اتجاه المدرعة لكنه اخطأ فانهالوا عليه بالرصاص من (فتحة) المدرعة.. استشهد صاحبي ابو زيد ثم حاولوا قتلي، أخذت أدافع عن نفسي والمسافة التي تفصل بيني وبين المدرعة كانت 15 إلى عشرين متراً فقط.. (يصمت لحظة ثم يكمل حديثه):
“كمّل عليَّ (قرن) الرصاص.. أشتي أغيِّر (القرن) إلا والمدرعة أمامي على بعد خمسة امتار، أشتي ابتعد منها لكن ما لِحقت (صدمتني) ودخلت في غيبوبة وجلست حوالي ساعتين تحت الشمس”.
نبَّهني الله
حامد القاسمي هو عنصر ثقافي، وهو مقاتل كما انه قنّاص أيضا.. في جيبه كان هناك دفتر صغير (نوتة) فيها تفاصيل ذلك، حين أفاق من غيبوبته وكان لا يزال وحيدا في مكان مقفر، تنبه للدفتر.. يقول حامد “نبَّهني الله إلى الدفتر وتحركت بلا وعي كامل من إثر الصدمة، أخرجته ومزقته فلو علموا بأنني قناص لقطَّعوني.. رميت بالأوراق وساعدتني الرياح بأن طايرتها بعيداً عني”.
“كنت ألحظهم يروحوا ويجوا مريّعين أيحين أستشهد وأنا كنت انظر إلى السماء ومغمض ومنتظر أيحين عتطلع روحي ما سمعت إلا حين اقترب مني طقم، اعتقدت في البداية انه من حق المجاهدين حملوا ينزعوا الجعبة والبندق مني، كلهم بيتلاحقوا على الجعبة والبندق، حاكيت نفسي: المجاهدون لا يتصرفون هكذا، شلّوا البندق والجعبة، وسمعتهم وهم يقولون: هذا عادوه بخير انزعوه، نزعوني إلى فوق الطقم شويّة وسمعت واحداً يقول هذا حوثي أسرناه في الطريق وواحد يقول اقتلوه والثاني يقول اذبحوه، عرفت وقتها إني وقعت في الأسر في أيدي الأعداء”.
بسقف مفتوح
أخذوه إلى المستشفى، والظن انه لأجل العلاج من الإصابات، فيما الذي حدث كان مؤلما.. يقول حامد القاسمي: “أوصلوني إلى مستشفى الحزم الحكومي وبدأ الدكاترة يعالجوني وبعد ساعات جو هولا اللي قولتهم الشرعية خرجوني بالصميل، الدكاترة حاولوا يرفضوا كانوا يقولون لهم: لا هذا عاده مريض بحاجة لمتابعة مش صحيح يخرج الآن، قالوا لهم: الحي أبقى من الميت، ونزعوني بالقوة.. ويمكن كانوا يشتوا يفرغوا الأماكن لحقهم الجرحى كان معاهم جرحى خيرات.. المهم خرجوني إلى السجن طرحوني هناك في السجن وكان سقفه مفتوح نص ومعي فرش صغير جدا، كان يوجعني النوم عليه، والذباب والنامس فوقي “.
الرجل المقنع
كعادتهم في التعامل مع الأسرى لا حدود للاستجواب، لا حدود للضغط، ولا حدود للعنف ومحاولة انتزاع أي كلام يتوافق معهم، إلا أن المثير في الأمر أن البطل حامد القاسمي كان هادئا بطبعه بسيطا في ردوده وهو ما كان يستفز المحققين الأمر الذي يتسبب له بمزيد من التعرض لوسائل الضغط والإجبار.. يقول حامد: “أول ما وصلت حقَّقوا معي حيث أدخلوني غرفة وكان فيها واحد مقنع وجلس يسألني وانا أرد عليه، بس الظاهر أن كلامي ما كان يعجبه مع إني والله كنت أقول غير الحقيقة”.
عندما سألت المجاهد: ما هي هذه الأسئلة؟
قال: “سألني مثلا كم انتم اللي اقتحمتم في الشقب قلت أنا من خُبرة فلان وما نا داري بالمحاور الثانية.. سأل: كم انتم؟ قلت إحنا خمسين، الظاهر انه ما صدَّق إن هذا هو الرقم الحقيقي، فأخذ يلطمني بالحذاء ويلكّمني.. سأل: أين مخازن السلاح حقكم؟ قلت له: شنطة ظهر وكل واحد يبُز له 200 – 300 طلقة ونتوكل على الله ونقتحم هذه حقنا مخازن السلاح.. إلا ويجنن ويبُز حديد ويعمله من داخل يدي من خلف ظهري ويضغط على الكسور اللي كنت أعاني منها.. سألني: اين مدرعاتكم؟ فأجبته: ليس لدينا مدرعات إلا ما نغنمه والتي كانت مع أصحابنا اللي اقتحموا قبلنا هي من حق الوادي شلوهن الخبرة بس ضربهن الطيران.. ويرجع يمارس معي العنف دكم وركل، سألني أين مكان تجمعكم؟ قلت له: مكان تجمعنا تحت الطلحة.. ويرجع يدلكمني بالحديد وأقول لهم: يا جماعة انا جريح اتقوا الله لكنهم يستمروا.. كان هذا الرجل المقنَّع يصيح ويقول لى.. اعطي لي مجبر استفيد منه وانا بين أعطي له مجبري الذي هو واقع ان المجاهدين مافيش معاهم سلاح ثقيل ما فيش معاهم طيران ويرجع يضايق.. ويقول: كنت تشتي تضرب المدرعة بالرصاص اللي معك، واقول له: ان الله ينصر من نصره.”
يتابع حديثه في ما كانوا يحققون معه “جاءوا بشيخ يقرأ القرآن وسألني: ماهي الحبوب اللي يعطوكم حتى تقتحموا بهذا الشكل؟ قلت له الإيمان، اما بالنسبة للحبوب فأنا درست الصيدلة ولم أجد في علم الدواء علم الفارماكولوجي علاج يخليك تقتحم يخليك شجاع هكذا، وإلا كانوا أدوها للفلسطينيين وكانوا حرروا الأراضي المحتلة من أيدي الغزاة الصهاينة فأخذ الحديدة يدقعني في ظهري فوق الكسور”.
رعاية الله
مجاهد في حكايته تشعر بأن الله كان معه فحتى ما كانوا يمارسونه ضده من تعذيب لم يكن يأخذ فيه كل المأخذ من الألم.. حيث يقول: “كانوا يعذبوني، لكن الرعاية الإلهية خففت عني، ففي البداية كان الأمر مؤلما ثم لاحظت إن الألم أصبح خفيفاً جدا والحمدلله”.
يتابع المجاهد حامد القاسمي سرد حكايته “جلست حوالي سبعة أيام وانا على هذه الحالة تحقيق ولطم وإهانة والعزة هي غالية.. في اليوم الأخير جاءوا وجمعونا وكان هناك أسرى بعضهم أسير منذ سنتين وبعضهم منذ ثلاث سنين يدخلوهم في غرف مظلمة ما يبسروا فيها شيء، آخر يوم وكان يوم الخروج جمعونا إلى صالة واحدة وما نا داري أين يشتوا يشلونا، جمعونا فوق الباصات وطلعونا المجموعة الأولى والثانية والثالثة وصلوا عندي وأنا على باب الباص ويتضح لهم انه لم يعد يوجد هناك مكان لي أنا وخمسة أسرى، فقالوا: خلاص راعوا لنا هنا وسنأتي لكم بالسيارة، ريّعنا باب السجن ساعتين، ثم فجأة دخل أناس يجمعون أشياء، وما كانوا مهتمين بي، استغربت ومشيت إلى البوابة ولاحظت انه ما فيها أي عسكري مشيت وانا في حيرة مش فاهم ما كان يحدث وخرجت من البوابة ولم يكلمن احد.. ما به، رأيت طقما والذين يستقلونه شبَّهتهم بالمجاهدين بس ما صدَّقت وشفت الطقم الثاني وعليه صورة شهيد ولا صدقت إلا وسمعتهم في الطقم الثالث وهم يطلقون الصرخة وشعرت لحظتها بحاجة غريبة في داخلي وكنت أريد التأكد أكثر فاقتربت منهم قلت لا يجي وهم دواعش جاءوا من مارب، إلا واسمع زامل عيسى الليث ساعتها بكيت ما قدرت امسك نفسي، خبرتنا وصلوا الحزم.. اللهم لك الحمد.
الصيد الثمين طليق
ليش ما كنت مصدِّق؟
“لأن الموضوع حدث فجأة، عاد المرتزقة كانوا هنا قبل ثلاث ساعات وكانوا يحملونا فوق باصات واحنا مريعين يجوا ولا سمعنا اشتباكات، كان الموضوع فجائياً قالوا راعوا لنا فجاء المجاهدون وهذا كله بفضل الله.
وخرج المجاهد حامد القاسمي من أسره في لحظة من غفلة وارتباك اثر دخول الجيش واللجان (الحزم)، وهو الذي كان لهم الصيد الثمين.. يقول حامد ” في السجن اتجهت بنظري إلى السماء ودعوت الله بدعاء يونس “أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” الله أخرج النبي يونس من بطن الحوت من داخل الشحم واللحم فكيف بي”.