يتلون المبعوث الأممي البريطاني مارتن غريفيث كالحرباء ، فيظهر بألوان مختلفة ومتباينة في سياق تعاطيه مع ملف الأزمة والعدوان على اليمن ، وهو ما يحيط دوره بالكثير من الغموض ، ويثير حوله الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ، فلا هو الذي أظهر حرصه على حل الأزمة اليمنية وإيقاف العدوان ورفع الحصار ، وعمل على ترجمة ذلك بصورة عملية بحيث يمضي باتفاق السويد نحو حيز التنفيذ بإلزام الأطراف الموقعة عليه بتنفيذه دون مماطلة أو تلكؤ ، ولا هو الذي أعلن عجزه عن حل الأزمة اليمنية وفشله في إلزام قوى العدوان ومرتزقتها بتنفيذ اتفاق السويد الخاص بالحديدة وملف الأسرى ، والملف الاقتصادي المرتبط بقضية مرتبات الموظفين التي تم قطعها منذ أكثر من ثلاث سنوات ، رغم كل التعهدات التي أطلقها غريفيث والأمم المتحدة بهذا الخصوص.
اليوم يتنقل غريفيث ما بين الرياض وصنعاء وأبو ظبي ومسقط ونيويورك تحت يافطة إجراء المشاورات والنقاشات حول إمكانية التوصل إلى تحقيق السلام في اليمن ، في ضوء اتفاق السويد وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن اليمني ، حيث تحولت شخصية غريفيث إلى نسخة من الشخصية الكارتونية (سندباد) غالبية أيامه يقضيها مسافرا متنقلا بين المدن سالفة الذكر ، دون أن يلمس الشعب اليمني أي أثر لهذه الزيارات والتحركات التي يصدق عليها المثل الغربي القائل ( نسمع جعجعة ولا نرى طحينا )، فلا أثر لدور غريفيث ولا للأم المتحدة في الملف اليمني ، وها هو وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يكشف للعالم أجمع أن أمريكا هي الأمم المتحدة ، وأن الأخيرة مجرد أداة بيد أمريكا تستخدمها لتنفيذ أجندتها وتمرير سياستها الاستعمارية الاستغلالية ، حيث زار بومبيو الأمم المتحدة وأصدر توجيهاته بفرض تعقيدات على المساعدات الفاسدة والمنتهية الصلاحية التي تقدمها المنظمات التابعة لها لبعض المتضررين من اليمنيين جراء العدوان والحصار ، وذلك بعد التفاهمات بين هذه المنظمات والمجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التي قضت بصرف المساعدات التي تقدمها المنظمات التابعة للأمم المتحدة نقدا ، لتجاوز الإشكاليات التي كانت تترتب على صرف المساعدات الإغاثية عينا ، ومارس ضغوطا قوية من أجل الدفع بالأمم المتحدة لتعليق المساعدات التي تقدمها ، من باب تشديد الخناق والحصار على الشعب اليمني ، والتضييق عليه في معيشته ، بعد أن دمر العدوان المصانع والمزارع ومصادر دخل السواد الأعظم من اليمنيين ، وعمد إلى قطع مرتبات الموظفين في سياق الحرب الاقتصادية التي يشنها على أبناء شعبنا اليمني منذ قرابة أربع سنوات.
ضغوطات أمريكا الإغاثية ، التي تصب في جانب تسييس العمل الإغاثي والإنساني للأمم المتحدة واستخدامها كسلاح تحارب به الشعب اليمني والقوى الوطنية المناهضة للعدوان ليست وليدة اللحظة ،فهذه هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول من خلالها تركيع وإذلال الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام ورفع الراية البيضاء والعودة إلى الوصاية الأمريكية والسعودية ، وتمكينهما من النيل من سيادة وثروات ومقدرات وموارد الشعب اليمني ، والسيطرة على سلطة القرار داخل دار الرئاسة اليمنية ، وهو المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه بإذن الله.
بالمختصر المفيد: على غريفيث أن يعي ويدرك أن تحقيق السلام يحتاج إلى جهود مخلصة وحثيثة ، ويتطلب تهيئة للظروف والمناخات وتمهيداً للأرضية المناسبة التي تمثل محور عملية السلام ، ولا يمكن نجاح أي تفاهمات أو حوارات أو جهود مبذلولة من أجل تحقيق السلام في اليمن وحل الأزمة اليمنية ما لم يتوقف العدوان ويرفع الحصار المفروض على بلادنا وشعبنا برا وبحرا وجوا ، عليه أن يستغل مهمته الأممية ويوظف إحاطاته الشهرية أمام مجلس الأمن للدفع باتجاه إيقاف العدوان ورفع الحصار ، كضرورة حتمية تثبت حسن النوايا الأممية ورغبتها الصادقة في حل الأزمة اليمنية ، دون الحاجة إلى أن يشغل غريفيث نفسه والمجتمع الدولي بقضايا ومواضيع سطحية لا تمس جوهر الأزمة ، والتي تهدر الوقت والجهد وتستنزف الكثير من المال وتزيد من حجم الخسائر والأضرار البشرية والمادية والاقتصادية ، فلا حوارات ولا مشاورات قبل إيقاف العدوان ورفع الحصار ، هذه هي رسالة رئيس الوفد الوطني الأستاذ محمد عبدالسلام المعبِّرة عن الموقف الرسمي والشعبي اليمني غير القابل للنقاش والأخذ والرد ، فقد مللنا من المكر والخداع والزيف والتضليل والتدليس.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.