تستعد مارب الحضارة والتاريخ للتحليق في سماء الوطن، وللعودة إلى معانقة صنعاء التي تشكل قلبه، ومارب رئته اليمنى، ولا يفصلنا إلا أيام قلائل بإذن الله من عودة مارب إلى حضن الوطن، بعد فترة تم فيها احتلالها، ومحاولة فصلها عن امتدادها الطبيعي، وتاريخها النضالي، ووحدتها التاريخية.
لا أملك معلومات خاصة حول مجريات الأحداث في مارب، ولكن من خلال متابعة حثيثة وفاحصة لأوضاع الجيش واللجان الشعبية من جهة، وأوضاع مارب الاجتماعية والفكرية والعسكرية عموما، وأوضاع مرتزقة الإخوان ومن يتصل بهم خصوصا من جهة أخرى، يتضح أن مارب تسرع خطاها نحو العودة إلى الالتحام ببقية أجزاء الوطن مرة أخرى.
فمن ناحية يظهر بوضوح أن معنويات مقاتلي الجيش واللجان الشعبية صعدت إلى ذروتها، وأثبتت المعركة طوال السنوات الماضية صوابية تحركهم، وفاعلية معنوياتهم، ونجاعة عقيدتهم القتالية الإيمانية، ولديهم قضية دينية وشرعية ووطنية يتحركون من أجلها، ضِمْنَ هُوِيَّةٍ إيمانية تحفزهم للتحرك بفاعلية على أرض الميدان، ويتحركون ضمن خطط مدروسة، وتحت قيادة موحدة، تدير جميع العمليات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية والاجتماعية بشكل فاعل، وحثيث، ومتكامل، وقد باتوا من القوة في الموقع المتقدم الذي يمكنهم من فرض معادلات الردع على الخصم في الداخل والخارج، ومن تنفيذ عمليات تحرير كبرى في الوقت الذي يهاجمون فيه العدو وأذنابه ومرتزقته في جبهات عديدة وفي آن واحد، وصارت لهم أذرعة عسكرية طويلة، تؤلم العدو، وتنكل به، وتوجعه وجعا لا حدود له.
أما بالنسبة للعدو ومرتزقته في اليمن عموما وفي مارب خصوصا، فإن المتابع البسيط لا يفوته الحالة المعنوية المنهارة لديهم، ويدرك عمق الاختلافات العمودية والأفقية بين مكوناتهم، وكراهتهم لبعضهم، وتمزقهم، وتناحرهم، وبات من الواضح جدا أن كثيرا من قبائل مارب قد ضاقوا ذرعا بمرتزقة الإخوان وسلطتهم وبأساليب حكمهم وممارساتهم، وبات الذين كانوا في مقدمة الصفوف لمواجهة الجيش واللجان يتأخرون شيئا فشيئا، حين عرفوا أنهم مجرد كباش فداء، يتم التضحية بهم، ولا يستوفون أي مقابل لذلك، وعمر الارتزاق بطبعه قصير، سرعان ما تصل الأمور فيه إلى منتهاها، هذا بالإضافة إلى الأحرار من أبناء مارب ووجهائها الذين كان لهم موقف مشرف في مواجهة العدوان منذ أول يوم فيه، وباتوا اليوم سفراء الشعب اليمني إلى قبائلهم الشجاعة، يطمئنونهم، وينقلون لهم تجربتهم مع دولتهم الوطنية، وهذا ما شجَّع كثيرا من المغرر بهم إلى العودة إلى وطنهم، والتخلي عن المعزوفات والسرديات التي روّج لها الإخوان وواعظوهم الكذَبَة.
لقد كان أقوى ما لدى المرتزقة هو سيطرتهم الواسعة على مساحات هائلة من الإعلام، لكنه اليوم لا يتوجه صوب الوطن وأبنائه الأحرار المجاهدين فقط، بل بات إعلاما متصادما، متناحرا، يصادم بعضه بعضا، ويعيش حالة عميقة من التفسخ والضياع واليأس والإحباط، وهي الحالة التي باتت عصية على أية محاولات ترقيع أو إعادة شمل، هذا إن وجدت، ولو وُجِدَتْ فلا إخالُها أن تتحقَّقَ مهما حاولت دول العدوان السعودية والإمارات أن تنفخ فيها روحية العداء لأنصار الله وأحرار الوطن معهم.
من جانبها دول العدوان أصبحت في حالة لا تؤهلها لأن تقدم نفعا لأي من مرتزقتها، فظروفها الداخلية وأوضاع اقتصادياتها السيئة، وتداعيات وباء كورونا العالمية التي ألقت بظلالها ضعفا عليهم، وقلقها الملازم لها من عمليات القوة الصاروخية والسلاح المسير المرهقة والاستراتيجية، كل ذلك وغيره أوصلها إلى حالة خطيرة من الضعف والهوان والمعنويات الهابطة والتخبط والارتباك الظاهر لأي متابع لهم.
حتى كورونا الذي يشكل خطرا على العالم جميعا ساهم في إضعاف جبهة العدو ومرتزقته؛ فقد أصاب بعض مقاتليهم في بعض الجبهات وقتلهم، وأجبر آخرين منهم على العكوف في منازلهم، ومغادرة الجبهات، بينما أتى في صنعاء والمحافظات الحرة والمحاصرة بنتائج عكسية، حيث حمل رجالها وشبابها إلى رفد الجبهات والتفرغ للقتال، ولا سيما بعد أن تم منع التدريس الجامعي والثانوي ومزاولة كثير من الوظائف المدنية؛ الأمر الذي حمل كثيرا من هؤلاء إلى أن يفضلوا الذهاب إلى الجبهات على القعود في بيوتهم، أو انتظار الموت بالوباء على فُرُشِهم، وهذا ما يفسر اكتظاظ معسكرات التدريب والجبهات بالمقاتلين من الشباب وفئة الموظفين في هذه الأيام.
لهذا فمن المرجح أن تشهد اليمن خلال الأيام القادمة حدثا مزلزلا، ومتغيرا خطيرا في سير المعارك، سيفتح عددا من المتغيرات الجديدة، التي ستهيئ لمرحلة جديدة من الصراع، وستشرع أبواب الانتصارات الاستراتيجية الأكبر والأهم، وأفول شمس الإخوان في مارب يعني تخلص اليمن من مشروع كارثي حزبي عميل سيطر بفعل عوامل وأسباب خارجية وغير طبيعية على حياة اليمنيين الفكرية والثقافية والسياسية ردحا من الزمن الأسود، وحينها يصدق عليهم قول الله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85].