«دبِّر نفسك»، من أسوأ المقولات الشعبية التي لها هيمنة في الوعي الاجتماعي اليومي، ففي هذه المقولة من اللاأخلاقية ما يكفي لدمار بلد وأجيال. تنتمي هذه المقولة إلى مصفوفة مماثلة مثل «قع أحمر عين»، وفيها من البدائية ما تصور الشعب في غابة، إلا أن الغابة أسمى تحكمها شروط بيولوجية صارمة، فلا يأكل الحيوان إلا حين يجوع، ولا يهجم إلا حين يتم اختراق حدوده وحين يشعر بالخطر، لا ابتغاء اكتناز اللحوم ولا بدافع الحسد والحقد والأنانية والعصبية كما هو حال البشري!
آليات حكم النظام السابق الطفيلية غير القانونية وغير الحكيمة، حيث السوق طفيلي حر دون تدخل من الدولة في ضبط النظام الاقتصادي بما يلبي مصالح المواطنين ومعيشتهم ويؤمن مستقبل أولادهم، فيما الوظيفة للمقربين لا الكفاءات، ولدافعي الرشوات والمتزلفين والأبواق، وغيرها من أنماط الحكم والسيطرة تدفع الإنسان إلى العيش طفيلياً منتهزاً للفرص، أنانياً، يريد إشباع حاجاته دون الالتفات لحاجات الآخرين، ولا لمدى مشروعية الوسيلة التي يقوم بها من أجل الوصول إلى هذه الاحتياجات والغايات، والخطورة أن آليات الحكم هذه أصبحت هي القانون الداخلي المحرك لمؤسسات الدولة، ولم يتغير الحال كثيراً بعد ثورة أيلول 2014م، ويُفترض بالرؤية الوطنية لبناء الدولة أن تقوم بهذا التغيير.
تطبيقات هذه المقولة في الحياة الاجتماعية كثيرة الأوجه، وهي مدمرة على مختلف المستويات، ومن هذه التطبيقات التي برزت في زمن العدوان، هو الارتزاق في مختلف مجالاته المدنية والعسكرية، فهناك فئة من اليمنيين وجدوا في العدوان على اليمن فرصة للحصول على عمل، وبعضهم للإثراء السريع، فتعاملوا مع تحالف العدوان الدولي وركائزه المحلية، كجهة عمل، يبتغون عندها الرزق، وضعوا تحت تصرفها قدراتهم وإمكانياتهم الفنية والعلمية والعضلية، والبعض ممن لا يملك مهارات وقدرات جند لهم نفسيته الشريرة الدنيئة المنحطة المستعدة لعمل كل ما تنبذه النفس الزاكية وما يرفضه العقل، عمل هؤلاء من شباب وكبار سن مع تحالف العدوان مرتزقة، تدفعهم وتبرر لهم سلوكهم مقولة «دبِّر نفسك»، يصغون إليها وقد أمسى لها نداء داخلي ترسخ في وجدانهم وطريقة تفكيرهم ويبررها بالنسبة لهم ممارسة الآخرين لها من حولهم حتى غدت كأنها هي القانون الطبيعي، فتجاوزوا بذلك -واهمين- كل حرج إنساني وكل منطق، وما تعارفت عليه الإنسانية بأن العمل مع العدو خيانة للوطن.