وهو يغترف كُـلّ ليلة من ذلك البحر الذي لا يدرك قعره، والعيون التي لا ينضبها الماتحون، ليسقينا دروساً عظيمة من كتاب الله الكريم، الذي لا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الترداد.
ومن موقعه في المسؤولية العملية بشيراً ونذيراً وقائداً جهادياً قرآنياً، يجسد هذا العبد الصالح نموذجاً حيًّا يعكس آثار الاهتداء بالقرآن الكريم في واقع الحياة، ويعكس ما يصنعه القرآن في نفس الإنسان وروحه ومشاعره واهتماماته وآماله، وعظمة التربية التي تصنعها الثقافة القرآنية.
وكل ما فكرت بالكتابة عن الدروس وعن قائلها، منعني انشغالي بتهذيب نفسي وتأديبها بهدى الله، عن التفكير في من سواي.
إذ كان كلامه -رضوان الله عليه- حجّـة على أتباعه وعلى غيرهم من الناس، إلا أن يرفضوا نصوص القرآن صراحة، أَو يدفعوا ما جاء به من الموعظة البالغة والإرشاد العملي بحجج قاطعة من القرآن الكريم، وأنى لهم ذلك.
ولكن لفت نظري مؤخّراً، قول البعض عنه: “إنه مُجَـرّد واعظ فقط وليته يتبع ما قاله من المحاضرات بفرضها على القائمين على أمر الناس فرضاً”، وكأنه لم يفعل ذلك فيما مضى من السنوات الطوال.
ولست بصدد الدفاع عمن لا يحتاج مني إلى ذلك، ولم يطلب مني أحد الرد على ما يقال، وإنما من باب التواصي بالحق.
أقول لهم ناصحاً:
اتقوا الله في أنفسكم وراقبوه في ما افترته ألسنتكم، لقد علمتم إن هذه الضوابط والمعايير هي المعتمدة لدى المسيرة القرآنية وقائدها دائماً، وإنما الجديد إعلانها على الملأ، وفرضها على النصير وعلى الحليف وعلى غيرهم وبهذا الشكل الصارم الحازم.
إنه قائد قال وفعل، ومن يتحدّث في محاضراته بهذه القوة والوضوح، لا يشتري الولاءات، ولا يخاف الانشقاقات، ولا يقلق من الانتقادات.
وَلو لم ينفذ ما جاء به من الهدى عملياً ويطبقه، لما استطاع أن يصل باليمن إلى ما وصلت إليه من انضباط القوة العسكرية للجيش وارتفاع مستوى أدائها، مقارنة ببداية العدوان وما صاحبه من ضعف أَو وهن أَو أخطاء أَو تقصير، ومن تماسك كُـلّ مؤسّسات الدولة ومنع انهيارها وتحسين أدائها، رغم حساسية احتواء كُـلّ الأطراف، وضرورة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية.
وأذكركم بأن ما نحن فيه من الثبات والصمود هي بفضل إرشاداته وتوجيهاته ومتابعته وتربيته المستمرة بكل صبر ورحمة طوال السنين الماضية.
إن حزمه واهتمامه الكبير أوصلنا إلى امتلاك الكثير من وسائل الردع في مواجهة العدوّ، وهي أولوية مقدمة على كُـلّ ما سواها من القضايا التي تحتاج إلى المعالجة.
ولعلكم تعرفون ما يصاحب الثورات من مخاضات عسيرة وأخطاء كبيرة، إلا أنها تقلّصت عاماً بعد عام، وستصل إلى مستوى التلاشي إن شاء الله، رغم كُـلّ الفتن التي يزرعها العدوّ وما يزال في أوساط المجتمع.
لقد قام القائد بمسؤولياته، وعلى كُـلّ الجهات القيام بمسؤولياتها في القضاء والأمن والسلطات الحكومية والمحلية.
لم يكن واعظاً فحسب، بل كان مرشداً وهادياً يؤسس لولاية أمر الناس على أَسَاس الهداية والتربية والتزكية، لا على أَسَاس التجبر والقهر والاستعلاء.
وبعد كُـلّ ذلك، لماذا لم تنظروا إلا إلى الأخطاء فقط؟
ألا ترون ما صنعته هذه التربية القرآنية العظيمة من نقلات في واقع الناس؟
هل عميت أعينكم عن كُـلّ تلك النماذج المؤمنة الملتزمة والمجسدة لهدى في أرض الواقع التي تملأ الساحات الجهادية والميادين العملية؟
أم أنكم لا ترون إلا بعين السخط والنقمة، والله المستعان على ما تصفون.
وأما وجود بعض المخالفات من البعض، فليست حجّـة عليه، إذ قال الله عن نبيه وهو أرفع الناس مقاماً: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
وقال: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ).
وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
وقال: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ، وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ).
وقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
وقال: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أولياء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
وقال: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ).
وقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أرسلنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً).
وقال: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أرسلنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ).
وقال: (إِنَّا أرسلنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أصحاب الْجَحِيمِ).
وفي الختام:
أسألُ اللهَ لي ولكم حُسنَ الفهم لكتابه والتدبر لآياته والالتزام بها قولاً وعملاً.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.