للعام السادس على التوالي والشعب اليمني يواجه العدوان والحصار بثلاثة عناصر رئيسية: الوعي، والصمود، والتكافل الاجتماعي. بالوعي هزم اليمنيون كل أساطيل الإعلام المعادي، وأفشلوا مخططاته، وأسقطوا رهاناته، وبالصمود الأسطوري واجه اليمني قصف الطيران وجيوش المرتزقة، ووقف شامخاً في وجه العاصفة، بل أكثر من ذلك اتجه للتصنيع العسكري بإمكانيات بسيطة، حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من قوة الردع التي غيرت المعادلة، ونقلت اليمن من الدفاع إلى الهجوم، والتحرير المستمر للأرض، والعمليات النوعية في عمق دار العدو شاهد على ذلك. أما التكافل الاجتماعي، فهو السلاح الفتاك الذي استخدمه الإنسان اليمني في مواجهة الحصار وقطع المرتبات وشحة الموارد، فلم يترك اليمني أخاه في هذا الظرف الصعب، وفُتحت البيوت للنازحين والمشردين، والوجبة التي كانت تشبع أسرة، أصبحت تشبع ثلاث وأربع عائلات، ولسان الحال: الحمد لله على الصحة والعافية.
وبقدر أهمية استمرارنا في معركة الوعي والصمود، نحن بأمس الحاجة لمواصلة التكافل الاجتماعي، وتوسيع مشاريع الاكتفاء الذاتي حتى نتجاوز المحنة التي نعيشها، فالعدوان خلف ملايين الجوعى، والآلاف من الأسر المحتاجة التي لن تقوى على الصمود إذا انقطعت يد التكافل الممدودة وتوقف العطاء، ولنا حكاية طويلة في العطاء لا مثيل لها في تاريخ الحروب والصراعات، فاليمني المعطاء الذي لم يبخل في عطاء الروح والدم، لم يتردد للحظة واحدة في مد يده البيضاء لمساعدة المحتاج، لاسيما تلك الأسر المتعففة التي تمسح دمعتها حتى لا يراها أحد، وتموت ألف مرة قبل أن تفصح عن وجعها أو تمد يدها.
مئات المؤسسات والجمعيات والمنظمات والمبادرات ظهرت خلال سنوات العدوان والحصار، لمساعدة الفقراء والمساكين، ولكنها لن تستطيع أن تغير شيئاً في الواقع إذا لم يكن هناك تحرك مجتمعي لتعزيز ثقافة الاكتفاء الذاتي ودعم المشاريع الصغيرة التي تنتشل الأسر من الفقر والعوز إلى الإنتاج المحلي الذي سيكون نواة الاقتصاد الوطني، ويحد من الحاجة للاستيراد، ونصل من خلاله إلى مرحلة السيادة الاقتصادية.
أما بالنسبة لمن شغلتهم السلطة والمناصب والفساد والروتين الحكومي، فلا بد من تذكيرهم بقصة حدثت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عندما كان يمشي في أحد الأسواق، ورأى امرأة كبيرة تحمل على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة، وحملها على كتفه، وسألها عن حالها، فقالت أرسل علي بن أبي طالب زوجي إلى بعض الثغور، فقتل (استشهد)، وترك لي أولاداً يتامى، وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس. فانصرف أمير المؤمنين، وبات ليلته قلقاً، وفي الصباح حمل الطعام والحلوى، وتوجه إلى بيت تلك المرأة، وقرع الباب، فقالت من هذا؟ قال أنا ذلك العبد الذي حمل معك قربة الماء، فافتحي، فإن معي شيئاً لأطفالك، فقالت رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجني وأنا أشعل التنور وأخبز، أو أعجن وأنت تشعلين التنور وتخبزين، فقالت أنا امرأة عجوز، ولم أعد أقوى على إشعال النار، سأعجن وأنت تصنع الخبز، فبادر لإشعال التنور، ولفح في وجهه النار وهو يقول: "ذق يا بن أبي طالب، هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى"، فرأته امرأة تعرفه، وقالت للأرملة أم الأيتام: ويحك هذا أمير المؤمنين، فصرخت المرأة وهي تقول: واحياي منك يا أمير المؤمنين! قال لها: بل واحياي منك يا أمة الله في ما قصرت في أمرك، وانشغلت عن معرفة أحوالك، ولم أدر عنك.
* نقلا عن لا ميديا