ظل على المبدأ الوطني الثابت الراسخ رسوخ جبال عيبان ونقم وشمسان ، مناهضا للعدوان ، مقارعا للغزاة والمحتلين وقطيع المرتزقة ، وكل من التحق بهم سابقا ولاحقا ، من الأجراء والماديين والنفعيين الذين باعوا أنفسهم والوطن والشعب من أجل ريالات آل سعود ، ودراهم آل نهيان ، وقف صادحا بالحق في وجه الباطل ، وأعلن انحيازه للوطن الذي ينتمي إليه ، ولم ينجرّ خلف الإغراءات المادية الكبيرة التي قدِّمت له من أجل تغيير موقفه ، والإلتحاق بطابور المرتزقة ، وإعلان الولاء والطاعة لمهفوف السعودية ، وغر الإمارات ، ولكنه رفض كل ذلك ، وفضَّل البقاء في جبهة الوطن والشعب ، وتصدَّر المشهد الثوري المناهض للتبعية والوصاية والإنبطاح والارتزاق.
كان أحد أبرز المداميك الإعلامية التي عملت على تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز وحدتها و تماسكها ، حيث سخَّر قلمه البالستي لتسليط الضوء على المؤامرات والمخططات الشيطانية التي سعى العدوان وأدواته العميلة لتنفيذها بهدف شق الصف الوطني وتفكيك الجبهة الداخلية التي ظلت وما تزال عصية على العدوان ، رغم كافة المحاولات التي قام بها ، لم يداهن أو يجامل، فكان كما يقال باللهجة الشعبية ( قارح بندق ) يواجه الغلط ويهاجم من يرتكبه من أي طرف كان ، ينتقد الباطل وأهله ، الوطن عنده خط أحمر لا يمكن تجاوزه ، شاهدناه خلال فتنة ديسمبر كيف أبلى فيها بلاء حسنا ، وكيف نجح في كشف ملابساتها ، وتعرية الوجوه المقنعة التي كانت السبب في إشعالها وتأجيجها ، وأظهر معدنه الأصيل ، ووطنيته التي لا غبار عليها.
كانت كتاباته الصحفية ، ومنشوراته على منصات التواصل الاجتماعي، ومقابلاته المتلفزة ، وبرامجه السياسية التي كان يقدمها عبر القنوات الفضائية الوطنية أشبه بالصواريخ الذكية الموجهة التي تعمل على نسف قوى العدوان ومرتزقته، وتفضحهم ، وتكشف زيفهم وكذبهم ودجلهم وتدليسهم ، وهو ما جلب عليه سخطهم ودفع بهم لتحريك منافقيهم وأبواقهم المأجورة لمهاجمته ، والإساءة إليه ، وتشويه صورته ، ظنا منهم أن ذلك سيحد من بركان فكره الثائر ، وسخونة مقالاته القيمة ، وتحليلاته السياسية العميقة ، التي كانت تقلق الأعداء وتربك حساباتهم ، إنه الكاتب الصحفي المخضرم ، والمحلل السياسي الحصيف ، والإعلامي الفيلسوف الأستاذ أحمد محمد الحبيشي- المستشار الإعلامي للمجلس السياسي الأعلى ، الشخصية الوطنية، الذي غيَّبه الموت عنا فجأة في هذه المرحلة الحرجة التي كانت بحاجة إليه وإلى عقليته النيرة وفكره الواسع وذاكرته التاريخية النوعية الفريدة وطرحه المقنع ، ومواقفه السديدة وثباته وصموده المشهود ووطنيته النادرة في زمن العمالة والخيانة والارتزاق.
لم يكن باحثا عن منصب، ولا عن مال ، فكان منصبه وماله هو الوطن ، الذي ظل مدافعا عنه ، واقفا في وجه الأعداء الذين يتربصون به الدوائر ، عاش شجاعا ، لم يجبن أو يخفت صوته ، ولم يتوقف يراع قلمه في مقارعة الخونة المرتزقة العملاء، كان كل همه الوصول إلى اللحظة الفارقة التي ينتصر فيها الوطن ، وينكسر قرن الشيطان ، وتتهاوى إمارات الزجاج والقش ، ومن أجل الوصول إليها ظل صوته عاليا في الجبهة الوطنية ، جبهة كل الشرفاء الأحرار الغيورين ، وظل رقما صعبا في فضاء الإعلام اليمني والعربي.
ظل حتى توفاه الله وحدويا ثائرا ضد مشاريع التمزيق والتشطير والأقلمة ، فكانت الوحدة اليمنية من وجهة نظره صمام الأمان لليمن واليمنيين ، والصخرة التي تتحطم عليها أحلام وأطماع ومشاريع الأعداء التي كانت تستهدفها وتسعى للنيل منها ، كما سعت في السابق للحيلولة دون تحقيقها ، لذلك فإن رحيله المفاجئ عن عالمنا في هذا التوقيت سيترك فراغا كبيرا في الجبهة الإعلامية التي كان أحد قادتها وفرسانها الأفذاذ ، وبرحيله خسرت اليمن كاتبا صحفيا مخضرما ومحللا سياسيا متميزا ، أفنى عمره في خدمة الوطن ، وختم مسيرته الإعلامية وحياته بخاتمة مرضية ، خاتمة خير يباهي بها ويفاخر وترفع من موازينه وتعلي من شأنه عند ربه.
بالمختصر المفيد.. خسرناك يا أبا فنار، خسرك الوطن والشعب، وخسرتك صاحبة الجلالة قبل أن تخسرك أسرتك، ستظل مآثرك محفورة في ذاكرة التاريخ، وستظل مواقفك الوطنية القومية شاهدة على عظمتك، آلمنا رحيلك، ولكنه قضاء الله وقدره الذي لا اعتراض عليه، نم قرير العين مرتاح الضمير، فقد كنت وفيا لله ولرسوله وللوطن والشعب، رحمة الله تغشاك، وطيب الله ثراك، وغفر لك مغفرة شاملة، وجعل الجنة سكناك، وألهم أهلك وذويك وكل محبيك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.