|
مرحباً بكم في أمريكا
بقلم/ عبدالملك سام
نشر منذ: 4 سنوات و 5 أشهر و 15 يوماً الأحد 07 يونيو-حزيران 2020 06:38 م
مبارك.. بعد معاناة مريرة استطعت أن تحصل على “فيزا” وستعمل مع أحد أقاربك، تقوم بترتيب أمورك وتجهيز حقائب السفر، تبيع قطعة الأرض وتصرف المبلغ دولارات ، ثم تطير إلى الولايات ، أرض الأحلام والعم سام .. تصل بعد رحلة مضنية إلى هناك ، وطابورك يتأخر بسبب الإجراءات الأمنية ، وأنت مضطرب وتمني نفسك بالسعادة والثراء .. يأتي قريبك لاستقبالك فلا تعرفه في بداية الأمر بسبب “الكاسكت” والجينز وكل تلك الطنافس التي تغطيه ، تصيح فيه مازحا : “كيفك يا يهودي” ، فيضع أصبعه على وجهه وهو يتلفت أن أسكت ! فتستغرب وتقول محرجا : “كأنك شاذ يا وغد” ، فيسحبك من تلابيب ثيابك ويعلمك القاعدة الأولى : “أنت لست في اليمن ، لا تسخر من اليهود والشواذ هنا” ! .. فتسكت وأنت مندهش من بلد الحرية التي تقمعك منذ لحظة وصولك !!
مرت الأعوام عليك وأنت تعيش هناك، تعمل وتوفر المال ، وقد أتيت بأسرتك .. قبل أشهر اضطررت أن تنفذ عملية إجلاء لابنك الكبير الذي اعتاد تدخين “الماريجونا” أو الحشيش ، وطبعا هنا لا يمكنك أن تضغط عليه لتربيه كما في بلدك ، لذا فقد خططت لما يجب فعله ، سوف تبعثه في إجازة لليمن ، وهناك اتفقت مع جده أن يسحب منه جواز السفر ويبقيه في اليمن ، فمؤخرا اكتشفت أن لديه مسدس وعشيقة سمراء ، وأنت تخاف عليه من الجريمة والإيدز ، كما أنك لم تستطع أن تجعله يعمل أو يصلي ، فالبيئة تشجع الشباب على الانحلال ، والقانون لا يحمي الأباء الحريصين !
ابنتك صار عمرها 18 سنة، وأنت محتار كيف ستفعل لتبعدها عن “جون” زميلها في المدرسة، وتشعر بقلة الحيلة وعدم التركيز في عملك بسبب انشغالك بعائلتك، وتحس بالندم لأنك لم تصدق “سعيد” ابن عمك الذي نصحك ألا تجلب عائلتك من الوطن، فأنت لم تعجبك حياة سعيد الذي تزوج زنجية ليحصل على الجنسية ، فهو مضطر لأن يغض الطرف عن علاقاتها مع آخرين حتى تمر الفترة القانونية ، وقد دفع لها مبلغ 20 الف دولار ليحقق هدفه ، بينما أنت فضلت أن تبقى بدون جنسية وتجلب أم عيالك لتطمئن بقربها منك .. لكن هذا ال”جون” لا يكف عن محاولات الانفراد ببنتك الساذجة، أنت تعرف ماذا يريد ولكنك لا تجرؤ على الفتك به ، أنت في بلد “الحرية” كما يقولون ، فماذا تفعل ؟!
أما أبنك الصغير فوضعه مأساوي كما يقول، في المدرسة لا هو زنجي ولا أبيض، لذلك فالكل يتنمر عليه ، وغالبا يعود من المدرسة وقد نال علقة معتبرة من “مايكل” أو “ستيف” ، أو وبخته معلمة الصف بسبب عدم تركيزه ، ومؤخرا طلب منك خنجر ليدافع به عن نفسه ! وعندما نصحته بألا يفعل أتهمك بالجبن .. حاولت أن تعوض عليه ببعض المال والهدايا ولكن دون جدوى ، وكل يوم يعود لك وقد سلبه بعض الأشقياء ما كان يحمله من مال ! فتسأل نفسك: “هل هذه مدرسة أم سجن؟!”..
بعد 12 عاما تجلس مع زوجتك لتتناقشا، وتتخذ قرار العودة إلى بلدك، ويسعدك أن زوجتك أفصحت عن سعادتها بهذا القرار لأنها اشتاقت لبلدها وأهلها الطيبين، وتقرر أن تصفي جميع أعمالك.. تبيع كل شيء وتتجهز للعودة وسط تذمر أبنتك وترحيب أبنك الصغير، وتعود محملا بالأمل كما جئت به قبل سنوات إلى أرض الأحلام، لا يهم أن تكتشف أن أبنتك قد فقدت عذريتها، أو ما يحمله أبنك الصغير من عقد نفسية، أو طباع أبنك الكبير الذي أصبح مجرما عتيدا، المهم أن تعود لتصلح ما أفسدته أمريكا وعنصرية وثقافة أمريكا! ستبني عمارة بما جمعته لتعيش من إيجارها، ولا يهم أيضا إن كان سعر الأرض الذي بعتها قبل قدومك قد أرتفع لدرجة أنها كانت تكفي لتبدأ مشروعا أو تبني عمارة.. المهم أن تعود، والأهم أن تنسى كل ما عانيته هناك.. تعود لأرض الأحلام الخاصة بك، بلدك، وبين أهلك الطيبين.. |
|
|