الفساد وباء خبيث وفتَّاك ، لا يقل خطره عن الأوبئة والفيروسات الفتاكة ، فإذا كانت الفيروسات والأوبئة تصيب من لا يلتزم بالمحاذير والإرشادات والنصائح الطبية ، فتأثيرها وضررها يظل محصورا ومحدودا ، وبالإمكان التعالج منها وتجاوزها إذا ما كتب الله السلامة والشفاء والعافية ، ولكن فيروس وداء الفساد لا علاج له سوى البتر والاستئصال من خلال إعمال سلطة النظام والقانون ، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية ، وتمكينها من القيام بمهامها ومسؤولياتها على أكمل وجه ..
لدينا هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد معنية ومختصة بمكافحة الفساد ، ومع ذلك ما يزال دور هذه الهيئة دون المستوى ، وما تزال روائح الفساد في عدد من مؤسسات الدولة تفوح منها روائح الفساد التي تزكم الأنوف وتنهش في جسد الوطن وتعبث بالمال العام وتلحق بالغ الضرر بالاقتصاد الوطني ، لم نسمع عن فاسد من العيار الثقيل تم توقيفه وإحالته للنيابة المختصة تمهيدا لمحاكمته على ذمة قضايا فساد ، ولم نلمس أي أثر لهذه الهيئة قبل وبعد العدوان ، رغم أن مكافحة ومحاربة الفساد والفاسدين ينبغي أن لا ترتبط بالظروف والأوضاع ، أو أن تخضع لأي اعتبارات أخرى ، إذا ما تعاملنا مع الفساد كوباء وفيروس وعدوان بالغ الخطورة ، محاربته ومكافحته من الضروريات والواجبات الدينية والوطنية التي لا مجال للتفريط فيها ، أو التهاون في حقها على الإطلاق ..
ولدينا أيضا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، وهيئة للرقابة على المناقصات والمزايدات ، وهيئة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ، والكثير الكثير من الهيئات والمنظمات والمراكز والإدارات المعنية بمحاربة الفساد وحماية المال العام ، والتي لم تسعفني الذاكرة لسردها في هذه التناولة ، وينبغي مع كل هذا الكم الهائل من أجهزة الرقابة والمحاسبة أن نكون في صدارة الدول العربية على الأقل فيما يتعلق بمكافحة ومحاربة الفساد ، لكننا للأسف ما نزال نغرق في وحل الفساد ، وما تزال هذه الأجهزة مقيدة وغير فاعلة في هذا الجانب ، وما تقوم به من محاولات ما تزال دون المستوى المطلوب ، وما تزال ملفات الفساد رهينة أدراج هذه الأجهزة التي تستجدي تنفيذ ما خلصت إليه من معلومات فيما يتعلق بأداء المؤسسات الحكومية ، ولا نعلم ما سر عدم ترجمة أهداف ثورة 21من سبتمبر التي كان من أبرزها وأهمها محاربة الفساد؟! .
الفساد سوس ينخر في جسد الوطن والاقتصاد ، وغض الطرف عنه وعن أباطرته يجعل منهم فراعنة ، ويمنحهم الفرصة للتمدد والتوسع والذهاب إلى ما هو أبعد في فسادهم المقرف الذي لا حدود ولا سقف له ، وإذا ما تم استئصال شأفتهم فإن العافية ستعود إلى الجسد والاقتصاد الوطني ، فما من مبرر للسكوت عن الفساد والمفسدين وعدم التعامل معهم بجدية وحزم وصرامة ، الفساد لا يقل ضررا عن العدوان الذي تتعرض له بلادنا ، ومواجهته ينبغي أن تكون بنفس الروحية والوتيرة التي نحارب ونواجه بها العدوان ..
بالمختصر المفيد: الحرب على الفساد مهمة حكومية في المقام الأول من خلال الهيئات والأجهزة الحكومية المختصة ، فإذا لم تقم الدولة بمحاربة الفساد وتجعل من ذلك ثقافة وسلوكا ومنهجا لها ، فإن الفساد سيظل معشعشا في مؤسسات الدولة وقد يتطور ويتنامى تدريجيا ، وينبغي أن تحظى مهمة محاربة الفساد بمشاركة مجتمعية من خلال قيام المواطنين بالإبلاغ عن أي مخالفات أو أوجه فساد في مؤسسات الدولة شريطة سرية مصدر البلاغات لضمان الحفاظ على سلامة أصحابها ، وينبغي التعامل مع هذه البلاغات بجدية ومسؤولية كي تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها ، فالفساد عدو الوطن ، والشعب ، و التنمية ، والتقدم ، والتطور ، والنهوض الاقتصادي والحياة الكريمة ، والمستقبل الأفضل ، ومحاربته يجب أن تتصدر أولويات الحكومة ، دونما محاباة أو استثناء أو تهاون ، بحيث يلمس الوطن والمواطن أثر ذلك على أرض الواقع .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .