لا يختلف المشهد كثيراً بين دول منطقتنا العربية لأن اللاعب الإقليمي واحد والدور الخارجي الأمريكي واحد، ويبقى الاختلاف البسيط هو في تفاصيل التعامل مع كل دولة بحسب خصوصيتها وتركيبتها السياسية وحجم العمالة بداخلها ونسبة الاستجابة الداخلية للخارج.
ما يجري في لبنان يشبه الى حد ما ما يجري في كل دولنا العربية المنكوبة بسياسات الخارج وعملاء الداخل، مع الفارق أن في لبنان لا يوجد شعب لبناني واحد، وإنما هناك عدة طوائف لبنانية متعايشة ومتجاورة وأحياناً مختلفة في ما بينها البين، أما على سبيل الفساد فنقطة الاختلاف بين لبنان واليمن على سبيل المثال، أن أكبر فاسد في اليمن ممكن يكون «مربط أموره» مع السعودية أو الإمارات، أما في لبنان كل الفساد المحلي برعاية خارجية وغطاء خارجي وتمويل أجنبي واضح جداً.
من مزايا الحياة السياسية اللبنانية أن كل أجهزة المخابرات في العالم لها يد في لبنان ولها عملاء وجواسيس ومرتزقة ومأجورون، ولست مبالغاً إذا قلت لكم إن للكيان الصهيوني وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيران وإيطاليا وتركيا والسعودية والامارات وقطر وبنجلادش وباكستان والهند والصين وكوريا والجن والعفاريت أجهزة مخابرات وأذرعاً أمنية تعمل في الداخل اللبناني...
حتى اللحظة لم تحسم التحقيقات ما إذا كان التفجير الذي ضرب مرفأ بيروت وقتل وأصاب المئات ودمر المدينة وشرد ساكنيها، مفتعل أم طبيعي، ولكن المحسوم والمعروف أن شحنة «نترات الأمونيوم» التي انفجرت في المرفأ كانت تابعة لدول خليجية وتريد إدخالها الى سوريا لتزويد الإرهابيين هناك بهذه المادة ليحققوا المزيد من التدمير في بلاد الشام، والمعطيات المتوافرة تؤكد أن السعودية وقطر وإخوان مصر أثناء رئاسة «محمد مرسي» بالتعاون مع تركيا والكيان الصهيوني هم من يقف وراء هذه الشحنة، وتدخلت قوى سياسية لبنانية موالية للرياض للإفراج عن طاقم السفينة وإخراجهم من البلد بعد أن اختفى مالك السفينة وتم إغراقها في البحر بعد إفراغ شحنتها في أحد مستودعات المرفأ.
منذ 17 تشرين 2019 وهو توقيت ما يسمى الحراك في لبنان، واليد التي تعبث بالداخل اللبناني يد أمريكية، وكل ما يجري في البلد مشروع أمريكي بامتياز، هذا المشروع ينطلق لمواجهة ثلاثة ملفات هامة، وهي اكتشاف الغاز والتنقيب عنه، وترسيم الحدود مع المحتل الصهيوني، والمقاومة في لبنان.
أما ما يتعلق باستقالة حكومة حسان دياب فلم يسقطها الشارع ولا التظاهرات ولا حتى انفجار مرفأ بيروت، وجرى إسقاطها بقرار سياسي ناتج عن إشكالات شخصية نشبت بين الرؤساء الثلاثة: رئيس الوزراء حسان دياب من جهة، ورئيس الجمهورية العماد عون ورئيس البرلمان نبيه بري من جهة ثانية، وكما هو معروف عن لبنان أن أي تحرك في الشارع يجب أن يحصل على نقاط القوة الرئيسية الثلاثة وهي الهوية الطائفية والهوية السياسية والموافقة الخارجية إما بالتحريك او الدعم أو غض الطرف، حيث يستحيل أن تجد مظاهرة أو فعالية في الشارع لا تحمل هذه النقاط.
اليوم وبعد الاستقالة الجميع ينتظر الموقف الخارجي وبكل وضوح يتفق السياسيون في البلد على أن الأمريكي إذا لم يأخذ ما يريد من لبنان سيدخل البلد في نفق أزمة طويلة! وهكذا تدار ملفات المنطقة، والله المستعان.
* نقلا عن لا ميديا