في خضم استبسالِ اليمنيين ضَدَّ العـدوان السعودي الأمريكي على اليمن تنشُرُ ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليهما السلام شذاها عَرْفاً يضوِّعُ عبير كُـلّ مكان يوجد فيه مجاهـد صنديد بطل، يذودُ عن الحمى، ويرد كيدَ المعتدين، ذلك أن روحَ زيد ترفرفُ في عطاء هذا المجـاهد وثباته الثابت ووقوفِه الشامخ أمام الغـزاة المعـتدين المسـتبدين المسـتكبرين.
لا يزالُ العدوُّ هو العدوَّ في طبائعه الفاسدة وأهدافه الهدّامة ومظاهره التضليلية، ومن الأهميّة بمكان أن نحيي ذكرى الاستشهاد في واقعنا الثوري المتألق، وفي الوصول إلى رؤية فكرية ناضجة، وفي التصدي القوي للاستكبار الذي عكس هذا العالم ووحشيته وعدوانه وجبروته ضد اليمنيين اليوم كما أظهر ذلك النظام الأُمـوي المتسلط في ذلك الزمان.
حين نستذكر الإمامَ زيداً -عَلَيْـهِ السَّلَامُ- ونحن نخوضُ معركتَه ضد الظلم والاستكبار؛ انحيازاً إلى المستضعفين، وجهـاداً للظالمين، وتقويضاً للاستكبار العالمي، وتنكيلاً بأهم أدواته المحلية والإقليمية، وتصحيحاً لأوضاعنا الفاسدة، وتقويماً لطبائعنا الراكدة، وانطلاقاً في الغايات الربانية الرائدة، التي يطلُبُها اللهُ من عباده المخلـصين المجاهـدين فإننا نكونُ مطمئنين إلى التحاق ركبنا المجـاهد بركب الإمام زيد، وانضمام مسيـرتنا إلى مسـيرته، وانضواء لوائنا تحت لوائه الميمون.
استـشهد الإمامُ زيدٌ بعدَ عطـاءٍ لا حدودَ له، واستبـسال قل نظيره، وثـورة واعية شاملة عارمة ضد أوضاع مختلفة، وظن الطغـاة أن مقتلَه هو نقطةُ النهاية في تاريخ الفضيلة، لكنهم هم في حقيقة الأمر مَنْ ذهب إلى مخازي التاريخ، بينما بقي الإمامُ زيدٌ حيًّا في التاريخ، تبعث أفكاره الحياة العقلية والعلمية في كُـلّ مكان، وتزلزل مبادئه الثورية عروش الظالمين في كُـلّ زمان، وهذه هي الحياة في الحقيقة، لا تلك الحياة التي عليها المسـتكبرون، والتي يغيب أثرها فور غياب صاحبها عن المشهد، يجب أن نتساءل اليوم أين هو الإمام زيد؟ وأين هم أتباعُه؟ وماذا قدّم للأُمَّـة ولدينه ولمجتمع الإسلام؟ وأين هو هشام؟ وأين هم أتباعه الذين يفخرون بأنهم منه؟ وماذا قدّم للأُمَّـة من ورائه؟.
أعترف أن طغاةَ اليوم يسلكون ذات الطريق التي سلكها طغاةُ الأمس، ولكنهم لا يجرؤون على الانتساب إليهم والانتماء فيهم؛ ذلك أن الانتسابَ إليهم عارٌ وخزي وبوارٌ، وهم يريدون الاستمرار في مسلك التضليل للأُمَّـة بحسن سيرتهم وجميل مقاصدهم.
وفي ثورتنا اليوم نرى علماءَ السـلاطين والاستبداد والاستكبار وهم يتحلّقون على موائد العهر، ويتنعمون في مضافاتِ الخزي، وقد أعطوا الدنية في دينهم، وتزلّفوا بفتاوى القـتل والتدمـير والإرهاب لأسيادهم من الطغـاة والمستـكبرين، كما فعل أُولئك العلماء الذين كانوا يتمسحون ببلاط الأمـويين يطلبون ما في أيديهم من الأموال المدنَّسة فعموا عن تنكيلِ الطغاةِ بالعامة من الناس، وداهنوا في تدميرهم للحياة التي يريدها الله لعباده المؤمنين.
ولكأن التاريخَ يطبعُ نسختَه المتكرّرة، فها هم المرتزِقةُ يجلبهم الطغيانَ والاستكبارَ من كُـلّ حدب وصوب ليقتلوا الإمام زيداً في كُـلّ يمني طفل أَو امرأة أَو شيخ أَو شاب أَو إنسان أَو حيوان، كما قتله مرتزِقة (القيقانية) بالأمس وهم المجلوبون من بلاد السند البعيدة.
غير أننا في ذات الوقت نرى العلماء العاملين المهتدين بنور الله يكرّرون (ثـورة العلماء) لينصروا اليمنَ الإنسانَ والدينَ والحضارةَ؛ باعتبَاره مشروعَ الإمام زيد وهدفَه السامي، كما نصروه بالأمس، وانضووا تحتَ لوائه، علماءَ ومفكرين وقادةَ رأي، ونرى الأبطالَ المخلصين الذين لا يتزحزحون عن ميادينِ الفضيلة، وبقاع الطهر والشرف، ومواقع العزة والجود، كالجبال الرواسي، يعمرون في كُـلِّ مكان قصرَ الفخار المشيَّد، ويرفعون على رأس كُـلّ جبل علَم الجهاد المؤيَّد، كما كانوا عليه بالأمس يثبتون، لا يُقِيلون الموت ولا يَسْتَقيلون منه.
ألا نعترفُ أن من حسن حظ اليمنيين أنهم تعرّفوا على الإمـامِ زيدٍ منذ وقت مبكر، فسرى إباؤه الأخَّاذُ في دمائهم، وتحَرّك فكرُه النيِّر في أهدافهم، وفكّر هديُه القرآني بعقولهم، فأطلق لهم عنانَ الفضيلة في كُـلّ واد وجبل، وأعلن فيهم النفير أمام كُـلّ معتدٍ غشوم.
ليس الإمامُ زيدٌ حليفاً للقرآن فقط، بل يمكنُ القولُ اليوم: إن اليمنَ هي الإمامُ زيد، وإن زيداً يتجدّدُ في اليمن ثورةً وسمواً وقيادةً ومنهجاً وسلوكاً وأخلاقاً وقيماً.