في زمن قل فيه الرجال – الرجال، وبات فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأضحى فيه الكاذب المنافق صادقا صدوقا، والعميل الخائن قائدا فذا وزعيما ملهما في نظر البعض، وصار التمسك بالقيم والمبادئ والمثل تخلفا ورجعية وتزمتا وتشددا، وصارت الأمور كلها تسير بالمقلوب، فمن يقاتل في سبيل الله مدافعا عن وطنه وأرضه وعرضه ويقدم روحه وكل ما يملك في سبيل ذلك يتم وصفه بالانقلابية المتمرد، ومن يقاتل في صف العدوان ويتحالف معه ويتآمر على وطنه وأبناء شعبه ولا يتورع في إرسال الإحداثيات لقصفها بالطائرات، ولا يجد أي حرج في زرع العبوات على الطرقات، واستهداف المصلين في المساجد بالأحزمة الناسفات، ويسعى لإثارة الفتن والصراعات، وفتح المزيد من الجبهات، خدمة للأعداء، وتنفيذا لمخططاتهم والمؤامرات يصنف على أنه الوطني، والشرعي، ويقف العالم إلى صفه.
إنه زمن العجائب والمنكرات، يمد الأخ يده في يد العدو لقتل أخيه، وليته يعمل كما عمل الغراب يواري جثمانه الثرى ولكنه ينكل ويمثل بها ويمارس في حقها صنوف التوحش والإجرام، يتسابقون على تولي اليهود والنصارى، والتسليم المطلق لهم من أجل مصالح رخيصة ومكاسب مبتذلة ومطامع زائلة، يحجون إلى البيت الأبيض، ويقصدون تل أبيب، للحصول على الحماية والدعم اللوجستي الذي يطيل أمدهم في السلطة، ويمكنهم من البقاء أطول فترة ممكنة على عروشهم وكراسي حكمهم، ومن أجل ذلك يقدمون قرابين الولاء والطاعة، يهدرون ثروات وأموال شعوبهم وينفقونها على كسب الولاءات وشراء الذمم وكسب ود ورضا أمريكا وإسرائيل، على حساب شعوبهم الخانعة، التي تعاني الأمرين، وتكابد صنوف المعاناة، جرعات سعرية،الواحدة تلو الأخرى، وأزمات متتالية، ومعاناة مستمرة، وكأنهم ينتمون إلى دول فقيرة لا ثروة ولا مال لها ؟!!
في صنعاء يقتل الشاب عبدالله الأغبري بعد تعرضه للتعذيب والاعتداء من قبل عناصر إجرامية متوحشة فتقوم الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على القتلة في وقت قياسي وتقوم النيابة بالتحقيق معهم وإحالتهم للقضاء تمهيدا لمحاكمتهم، وفي الوقت الذي من المفترض الإشادة بهذه الخطوة، تذهب بعض القوى المأجورة لاستغلال القضية وتسييسها واستخدامها ذريعة لإثارة الشارع والدعوة للخروج في مسيرات ومظاهرات تحت يافطة المطالبة بمحاكمة قتلة الأغبري، لافتات وملصقات وحملات إعلامية مكثفة وتحركات مشبوهة، ونشاط مشبوه لبعض الناشطين والناشطات على شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الأكاذيب والترويج للشائعات بهدف إقلاق الأمن والسكينة العامة، هذا يقول بأنه تم الإفراج عن القتلة، وآخر يقول بأن المحكمة العليا أصدرت حكمها في القضية بإعدام القتلة، مع الاختلاف في موعد التنفيذ، هذا يقول الثلاثاء وآخر يقول السبت و ( هات يا كذب ) والمشكلة تكمن في ( شلة ) نسخ ولصق، الذين ينشرون هذه الأكاذيب على صفحاتهم وحساباتهم الفيسبوكية، ويروجون لها على أنها الحقيقة المطلقة التي لا شك فيها ولا لبس.
الكثير منهم لم ينشر منشورا واحدا يدين فيه العدوان، أو يستنكر الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوى العدوان ومرتزقتهم، دفن المرتزقة الشهيد الحي عبدالقوي الجبري حيا، وفجرت عناصر داعش أسرى الجيش واللجان الشعبية بالمتفجرات والصواريخ الموجهة، وقام المرتزقة برمي بعض الأسرى من قمم الجبال وهم أحياء، وقتل المرتزقة في تعز بعض المواطنين بتهمة التعاون مع أنصار الله وقاموا بسلخهم والتمثيل بجثثهم وسحلها في الشوارع خلف السيارات والدراجات النارية، استهدف العدوان النساء والأطفال ومارسوا في حقهم أبشع وأشنع الجرائم والمنكرات على مدى خمس سنوات ونصف، ولم نقرأ لهؤلاء أي منشور يدين ويستنكر ذلك، رغم أن بشاعة هذه الجرائم تفوق بعشرات الأضعاف بشاعة جريمة قتل المغدور به عبدالله الأغبري، مما يؤكد وبما لا يدع أي مجال للشك بأن تعاطفهم مع مظلومية الأغبري، تعاطف شكلي مسيس وموجه لتحقيق أهداف خبيثة تثير الفوضى وتصب في خدمة قوى العدوان.
بالمختصر المفيد، حبل الكذب قصير، والحرب الناعمة لم تعد تؤتي أكلها مع اليمنيين، ومثل هذه المشاعر الزائفة، والتضامن المؤدلج والموجه لن تنطلي عليهم، فمن يلزم الصمت تجاه العدوان على بلاده والحصار على شعبه، ومن يتماهى مع قوى العدوان ويخدم مشاريعهم ومخططاتهم، إنسانيته معدومة، وضميره مفقود، فتحركاته ومواقفه خاضعة للسياسة والحزبية والمصلحة وتصفية لحسابات خاصة وخاضعة للولاءات الضيقة، وهنا لا بد من التحلي بالوعي والبصيرة وتحكيم العقل في التعاطي مع هذه القضايا والابتعاد عن السطحية، فنحن في زمن العجائب والمنكرات والتناقضات، الذي يتطلب منا أن نتحلى بالكياسة والفطنة، وأن نكون الأكثر حرصا على استتباب الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة، وتحقيق العدالة والإنصاف بعيدا عن أساليب ( اللف والدوران ) و( لي الذراع ) والاصطياد في المياه العكرة.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.