* مع اشتداد الحرب العدوانية على اليمن يتكاثر السبتمبريون البيضانيون (نسبة لعبدالرحمن البيضاني) كالفطر بخطاب يدعي التملك الذاتي للثورة ويحرف مضمونها من ثورة شعبية إلى ثأرية عصبوية طائفية ومناطقية وعرقية, و يمثل أخطر عملية تزوير لهوية وروح ثورة 26سبتمبر وأكبر تشويه يمكن أن يلحق بها.
* خطورة هذا الخطاب كونه لا ينظر لثورة 26سبتمبر مشروعا وطنيا جامعا بل سلاحا يشهره للثأر من الماضي وتشويه علاقتنا بالحاضر كما لو أن ماضي الشعوب بيت من قصيدة يمكن حذفه أو الاستغناء عنه أو صفحة قديمة من كتاب أصفر يمكن تمزيقها أو تمزيق الكتاب الذي يضمها، على حد الدكتور المقالح .
* بعد ثورة يوليو 1952م التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر اصدر بعض الضباط تعميما يمنع إذاعة أغاني أم كلثوم في الإذاعات المصرية بحجة أنها تنتمي للعهد البائد وتغنت بالملك فاروق، فرد عبدالناصر: هل علينا هدم الأهرامات لأنها لا تنتمي لعهد الثورة !؟
* كان من الجيد أن الثوار الأوائل لسبتمبر تنبهوا لخطورة الخطاب البيضاني على الثورة والجمهورية ولم تمنعهم خلافاتهم الكثيرة من اتخاذ القرار بالإجماع على سحب الجنسية اليمنية لعبدالرحمن البيضاني إلا أن روحه بقيت تتربص بالثورة وتتلبس عقول الجيل الذي جاء محمولا على رزم الأموال السعودية.
* أنصار الله ليسوا المسؤولين عن الأفكار القهرية المزمنة التي تتلبس البعض ممن لم يفلحوا في مغادرة فوبيا الماضي بل مؤسسات التنشئة التي ظلت لعقود من الزمن تغذيها في وجدان ووعي الإنسان اليمني وأصبحت ثشكل سياجات معرفية تعيق قدرتنا على قراءة وتحليل الوقائع الاجتماعية بتقنيات موضوعية.
* الإمامة السياسية كنظرية في الحكم انتهت لكنها كتاريخ يجب أن تقرأ في سياقها التاريخي الاجتماعي مثلها مثل نظرية الخلافة كجزء من التاريخ السياسي الإسلامي الذي ينتصب على العصبوية أو الرابطة القرائبية والتي يعتبرها ابن خلدون أساس الملك.. ومن الإجحاف محكمته لمعايير الفكر السياسي الحديث.
* إن ترسيم الهاشميين طبقة متجانسة تتمتع بامتيازات اجتماعية اقتصادية نظير ما لطبقة النبلاء في أوروبا المسيحية لا يستند لأصل، فالكتلة الأكبر منهم كانوا موزعين على كل الطبقات وعلى حد الحكيم عبدالله البردوني” فقد كان أغلب السادة من طبقة الفلاحين والحرفيين والتجار اقتصاديا واجتماعيا”.
* ومن الاشتغالات الغرائزية المدمرة تعمد رسم إحداثيات مشوهة لخارطة الاجتماع اليمني لتكوين صورة ممقوتة للهاشميين كطبقة اجتماعية متجانسة ومستغلة وتكريس ذاكرة جمعية عدائية ضدها وتذخير الوعي الوطني بأفكار الغل العصبوي في حين أن غالبيتهم كانوا إما محاربين أو مزارعين وفلاحين عاديين.
* وأخيراً قصة طريفة حصلت معي وأنا في سن الابتدائية كان من ضمن المقرر كتاب اسمه تقريبا التنشئة الوطنية، وفيه صورة للإمام أحمد وكان زملائي يقولون “هذا جدكم يا سادة” وكنت أتألم كيف يتحدثون عن جدي هكذا، وفي المساء سالت جدتي: هل الإمام جدنا؟ فردت بالنفي، فقلت في نفسي: الحمد الله طلعنا براءة.