للشعوب آراء وعادات وتقاليد غير التي جاءت بها الشرائع أو القوانين. ولو تتبعنا هذا العرف لوجدنا أنه هو السائد، لتعارُف الناس عليه، سواء في الأمثال أم في الحكم التي يتداولونها، كأن نقول: صلح أعوج ولا شريعة سمحاء، دون أن ندري أننا نعطل الشريعة ونشجع ثقافة الصلح الأعوج.
حين يقول الله تبارك وتعالى: «وأرجلكم إلى الكعبين»، نقوم بغسل أرجلنا إلى الركبة، لأن أبا هريرة أورد حديث الغرّ المحجّلين، الذين يسبغون الوضوء، فنعمل بما قاله أبو هريرة ونعطّل أوامر الله، مع أن الله يريدنا أن نعبده كما يشاء هو، لا كما نشاء نحن.
ذات يوم توفي فلاح في إحدى القرى اليمنية، وأثناء تقسيم التركة بين أبنائه قال لهم القاضي إنه سيُخرج ديون أبيهم أولاً، حسب شرع الله: «من بعد وصية يوصي بها أو دين»، لكن الورثة رفضوا، فما كان منه إلا أن يقول لهم: «يقول علي ولد زايد الدين قبل الوراثة»، فوافقوا دون أي تردد...
ومن الأمثال القبيحة التي تشجع الاعتياد على ثقافة الخطأ: «مع اخوتك مخطي ولا وحدك مصيب». هذا المثل يحث على اعتناق ثقافة القطيع حتى ولو كانوا على خطأ، المهم ألاّ تكون أنت المصيب الوحيد. وفي الوقت نفسه ترويج لثقافة الأغلبية، رغم أن الكثرة دائماً مذمومة ورأيها خاطئ، لأنهم يستوحشون طريق الحق لقلة سالكيه، كما قال الإمام علي بن أبي طالب.
لا يعني أن جمهور مصطفى المومري الذي فاق مشيِّعي جنازة البردوني سيجعله أعظم شأناً من البردوني، لأن الغثاء لا وزن له ولا قيمة.
ولا يعني أن «يزيد» كان على الحق لأنه كان أكثر جنداً وعتاداً من الإمام الحسين بن علي يوم كربلاء. كما لا يعني أن قريشاً كانت على صواب لأنها أغلبية، مقابل النبي الأعظم محمد بن عبدالله. فالأغلبية لا أهمية لها سوى في مجلس النواب أو في الانتخابات فقط، وما عدا ذلك فليست سوى ضلال مبين. ألم يقل سبحانه وتعالى: «وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين»، ويقول أيضاً: «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك»؟
كن إنساناً متفرداً فقط، فما قيمتك وأنت ضمن قطيع لا يعرف أين يسير؟!
ورغم ذلك، سيحاولون إرجاعك، وستجد من يقول لك إنك تغرد خارج السرب.
نعم، أنا أغرد خارج السرب ليكون صوتي مسموعاً.
* نقلا عن : لا ميديا