(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، وفي آية أُخرى: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).
“خشية الإملاق” هذه استمرت بنفس أثرها الاجتماعي -باستثناء القتل- من يوم نزلت الآياتُ المباركة إلى يومنا هذا، فوبيا ما زالت تسودُ شريحةً كبيرةً من المجتمع أكثر من الثقة بصدق وعود الله تعالى.
ففي الماضي: كان الناسُ يقتلون أولادَهم؛ خشيةَ إملاق، أي فقر.
وفي الحاضر: ألا نجدُ من يؤجلون الخِلفةَ إلى أجلٍ غير مسمى خشيةَ إملاق؟!
ألا نجد من يحرِّضُ حديثي الزواج ضد الخلفة خشية الإملاق؟!
بل ونجد من وصل به الأمرُ ليحرِّضَ ضد الزواج من أَسَاسه خشية الإملاق.
وبما أن الوضعَ الاقتصاديَّ متدهور، فيجبُ أن يبقى الجميعُ عازباً حتى لو لم يبدِ تحسن الأوضاع قريب المنال.
طز.. فليكبحوا غرائزهم الفطرية، وليُحرَموا من حقٍّ إنساني مُنح من الله حتى وإن فاقم لهم ذلك ثغراتِ الشيطان في عصرٍ بلغت فيه وسائل الإفساد ذروتها.
لو كانت الأوضاعُ هي المشكلة لما قبل رسول الله تزويج فلذة كبده بالإمام علي في العام الثاني من الهجرة، ولقال: “يا علي من عيصرف عليكم؟ عاد احنا غر هاجرنا والوضع صعب؟”.
ولكان أجل زيجات المسلمين الذين هاجروا معه ستة أعوام على الأقل إلى ما بعد فتح مكة، وقد الأمور سابرة، والإسلام مستحكم والأوضاع في تحسن، أما لو كانت المشكلة في تزويج 3300 دفعة واحدة، فهل حري تزويجهم على مدى 10 أعوام مثلاً؟!
وأين العدل حين نقول لهذا إن دوره في العاشر؟!
لنفهـــــــم مشكلتنـــــــا..
لأَنَّها تتجذّر في أزمة الثقة بالله ووعوده، وما يترتب على ذلك من عدم الالتزام بما يحقّق لنا تلك الوعود:
يعدنا الله أن (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).
ويؤكّـد تعالى أن: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
مخرج ورزق من خارج كُـلّ “حساباتنا” البشرية التي تسيطر عليها فوبيا الإملاق، فإذا لم يتحقّق لنا هذا اليُسر والرزق رغم كدَّنا وتعبنا، فهل ذلك لخللٍ في وعود الله؟ أم في تقوانا إياه؟
بل وقد تأخذنا العزةُ بالإثم حين يقال لنا بأن نتقي الله لنظرتنا المغلوطة لمفهوم التقوى الذي أطرناه في الكبائر في حين يشمل كَثيراً من سلوكياتنا حتى على مستوى القول السديد.
قد نغل أيدينا إلى أعناقنا من شدة الحرص على “بناء المستقبل”، ولا ننفق إلا “الأفلاس”؛ طمعاً في خير ما نجمعه من “ألوف” عزيزةٍ على جيوبنا، رغم أن هدايةَ الله تقول لنا: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ) أي الخير (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
ثم لا ندرك أن في ذلك سبباً لقلة الرزق: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ).
لا نتعلم أثناء بخلنا حين “تخرج عرض”، لا نفهم حقيقة أن الله يرد ما ننفقه (أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً).
يأمرنا الله بتزويج عزابنا وصالحينا وجعل ذلك سبباً في غناهم لا فقرهم: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).
فلا نُنكح إلا الأغنياء من عبادنا، وأن يكونوا غيرَ صالحين فسيهديهم اللهُ.
“عادي عيتزوجوا ويعقلوا”.. نمضي خلاف المعايير الإلهية وعكس هداية الله، ويعتبر بعضُنا آياته مواعظَ ولى عليها الزمن يأنف عند التذكير بها، نفرط في جنب الله ونكون من الساخرين، ونأمل أن يفيَ لنا بما لم نستحق.
ثم حين نرى تلك الوعود لا تتحقّق لنا أَو لغيرنا، ننبذها خلف ظهورنا، أما حين نجد من تحقّقت لهم نقول “أرزاق”.
نتحَرّك وفق رؤى ومعايير بشرية نثق بأنها عن خبرةٍ وفهمٍ للحياة بأكبر من العليم الخبير، نحسب أن بقدرتها تغيير واقع المجتمع بأفضل من الملك القدير ونجزم أنها من حبٍّ وحرصٍ على أبنائنا ومجتمعنا وأمتنا بأكثر من الرحمن الرحيم.
فمتى نستوعب بأنه أرحمُ بنا من أنفسنا؟!