العظماء يخلدهم التاريخ في أنصع صفحاته ، ويظل الجميع يحييون ذكرهم ويتحدثون عن مآثرهم ويتداولون سيرهم، ويتناقلون المواقف البطولية التي سطروها في حياتهم الدنيوية ، ويأتي الشهداء في مقدمة هؤلاء العظماء الذين صنعوا لأنفسهم المجد التليد، والتاريخ الخالد الذي ستظل الأجيال المتعاقبة تتناقله وتتباهى وتتفاخر وتعتز به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
لعظيم ما قدموا من بذل وعطاء وتضحية وفداء منحوا من الله العطاء الكبير، وحازوا على التكريم الأغلى، والمستحق، والمكانة الرفيعة، والمرتبة العالية، والمقام السامي، صحبة الأنبياء والأولياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، انتقلوا من الحياة الدنيوية الزائلة إلى الحياة الأبدية والنعيم الدائم والرزق غير المنقطع ، مغريات لم تمنح لغيرهم، تفردوا وتميزوا بها عن الآخرين ، هكذا كان التكريم الإلهي لهم، وهذا هو العطاء الإلهي الذي منحوا إياه عن جدارة واستحقاق ..
ومن صور التكريم والتخليد الدنيوي للشهداء العناية والاهتمام بهم وبذويهم في ظل ما نعيشه هذه الأيام من زخم احتفائي بهم على هامش الاحتفال بالذكرى السنوية للشهيد، وفي مقدمة ذلك معارض الشهداء التي تمثل صورة من صور الوفاء لهم، والتخليد لذكرهم، حيث يعكس الإقبال منقطع النظير على هذه المعارض المكانة التي يحتلها الشهداء في أوساط المجتمع ومشاعر التقدير والعرفان تجاههم، الكل يشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يلتقطون الصور التذكارية داخل معارض الشهداء على خلفية صور الشهداء ..
وتحولت روضات الشهداء إلى حدائق ومساحات خضراء ، تتوافد عليها جموع الزائرين من مختلف المناطق ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، يتوافدون لزيارة ذويهم من الشهداء العظماء للسلام عليهم وقراءة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، واستذكار المآثر التي خلدوها والمواقف البطولية التي سطروها للاقتداء والتأسي بها، علاوة على الندوات والفعاليات التي تقام بالمناسبة والتي تتناول دلالات الاحتفال بالذكرى السنوية للشهيد، وتسلط الضوء على عظمة الشهادة ومكانة الشهداء وما يجب علينا( دولة ومجتمعا ) تجاههم وأولادهم وأسرهم، وقبل ذلك التكريم اللائق بهم عند تشييعهم وما يصاحب ذلك من مظاهر احتفاء وتكريم يليق بهم وبتضحياتهم، ليعانقوا بذلك الخلود في حياتهم وبعد استشهادهم، الخلود الذي يمنحهم العلو والسمو والرفعة والمقام الرفيع في أعلى عليين ، بجوار الأنبياء والمرسلين ..
هل رأيتم عطاء كعطاء الشهداء؟! هل رأيتم عظمة تضاهي عظمة الشهداء؟! وهل رأيتم تكريما بحجم تكريم الشهداء ؟! وهل رأيتم تخليدا يساوي تخليد الشهداء في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؟! بالتأكيد ستكون إجاباتكم جميعها بالنفي، وهذه هي الحقيقة التي لا جدال فيها، ومن أجل ذلك جعل الله الشهادة مكرمة واصطفاء لكل من يقتل مجاهدا في سبيل الله مدافعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة، ومنح الشهداء كل هذا الفضل وكل هذه المكانة وكل هذا التقدير ، وكلها مغريات ربانية تستوجب علينا جميعا التسابق من أجل الظفر والفوز بها إذا ما أردنا السعادة التي مثيل لها، والحياة الأبدية التي لا تنتهي بموت ولا يداخلها مرض أو نصب أو مكدرات ومنغصات وأزمات وصراعات ..
بالمختصر المفيد: الشهادة عطاء من قبل المؤمنين الصادقين الذين انطلقوا في سبيل الله وهي نصب أعينهم وغايتهم ومقصدهم، قوبل هذا العطاء البشري بعطاء رباني هو الأكبر والأغلى والأثمن، فهنيئا لكم معشر الشهداء ما أنتم عليه من فضل ونعمة ، طبتم وطابت أرواحهم الطاهرة في أعلى عليين، ونسأل الله العلي القدير أن يلحقنا بهم صالحين، وأن يكتب لنا ما كتبه لهم بحوله وقوته وتوفيقه ..
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم، وعاشق النبي يصلي عليه وآله.