يا كل محاربي العالم الحالمين ببلوغ سقف الأداء الأعلى لمحارب يخوض اشتباكاً حقيقياً بيد شبه مجردة إلا من الـ”كلاشينكوف” والـ”آر. بي. جي”، أمام عدو مدجج بكل ما في معاجم التقانة الحربية من أحدث أسلحة تفتقت عنها المخيلة العسكرية للعالم. هنا قبلة كل محارب يشتعل جبينه توقاً لسجدة يقين في محراب الحقيقة، صوب قبلة الفروسية المفقودة التي أفنى المحاربون منذ آدم أعمارهم بحثاً عنها ولم يبلغوها.
هنا تشمخ شاهقة كعبة كمال الفروسية بدءا من أخمص محارب حاف على رمال البحر الأحمر اليمني، يعتمر أسراب طائرات العدوان قبعة، ويشعل لفافة تبغه من لهب حطام مدرعاته الغازية، وانتهاءً بغرّة محارب حافٍ على ذرى مرتفعات أقاصي شمال الشمال اليمني السليب، يفرك جبهته بشمس نجران وجيزان وعسير، ويكحل عينيه بثلج نجومها، متجاوزاً الأبراج والأسوار والحصون الرقمية لعربان الـ”ديجتال”، ويعالج مغاليق تقانة الـ”يو إس إيه” بفوهة بندقية بصيرة وقداحة زهيدة الثمن.
بمنأى عن موات لغة التقارير والأخبار وسماجة التحليل الإعلامي، أحاول أن أكتب لكم بأبجدية مغايرة عن مقاتل مغاير، اسمه المقاتل اليمني في الجيش واللجان الشعبية. إن الذهنية المعولمة الواهنة الكسيحة التي ترى في الأيادي الخفية للسوق إلهاً مدبراً جباراً مقتدراً، هي ذهنية عاجزة بالقصور الذاتي عن أن تفطن لحشرجات احتضار إلهها الليبرالي بكل جبروته على يد مقاتل ينتمي لشعب منسيّ في أقصى زاوية من جنوب شبه الجزيرة العربية. هذه الذهنية غير قادرة على أن تحول بصرها المشدوه بـ”نيونات” فاترينات الدعاية التجارية و”أفيشات” ملاحم
وحده “ولد شيخ النفط” كان قادراً على استثمار وهلة النصر السعودي الأمريكي
الـ”أكشن” الأمريكية)، لترى كيف تتجلى المعجزات يقيناً من تحت أخمص المقاتل اليمني في الجيش واللجان، فيما تتفسخ قيم الحضارة الرأسمالية المعولة وتنتن مع كل طلعة جوية لطائرات الـ”إف 16″ على سماء اليمن، وكل قطرة دم يمني تسفك بسواطير ومخالب وأنياب ضواري العالم الحر من مرتزقة ومأجورين وشذاذ آفاق.
هل دخلت كلاب تحالف العدوان المسعورة مديرية المخا الساحلية حقاً؟! أجل دخلوها ولكن ليلقوا مصرعهم، ويقف المقاتل اليمني صبيحة أمس الأول على تلال جثامينهم النافقة مستشرفاً فلولهم الهاربة المذعورة.
أكثر من ثلاثمائة غارة جوية في غضون أقل من أربع وعشرين ساعة، وآلاف المأجورين متعددي الجنسيات برديف من نيران البوارج البحرية، تمكنوا من بلوغ حتفهم بجدارة لتنهشهم فوهات بنادق أبطال الجيش واللجان من كل جانب، ويفلت المحظوظون منهم على حمالات طواقم الإسعاف، غير أنهم وفروا ـ بطبيعة الحال ـ وقوداً بشرياً رخيصاً لشبق قنوات إعلام العدوان، تمكنت معه من مزمزة سكاكر النصر لوهلة قبل أن ينقلب مذاقها في ألسنتهم حنظلاً، ككل مرة منذ بدء العدوان.
وحده “ولد شيخ النفط” كان قادراً على استثمار وهلة النصر السعودي الأمريكي تلك لتمديد مهمته أسابيع أخرى، غير آبه بأثمان ذلك لا على مموليه في الخليج ولا على ضحايا مموليه في اليمن.
بيد أن أهداب اليمنيين، لسوء حظ “مبعوث أرامكو”، لم تعد مصوبة على مدرج مطار صنعاء بانتظار نجدة أممية محتملة؛ فقناعة شعبنا المظلوم والمحاصر باتت ـ أكثر من ذي قبل ـ محسومة، لجهة أن الطريق إلى الخلاص يمر عبر ماسورة البندقية الوطنية المقاتلة، وأن خنادق المجابهة هي الوجهة الأمثل للهاربين من جحيم انتظار الموت تحت غارات الـ”إف 16”.