«إلى روح الشهيد الشاعر همدان السباء وأرواح شهدائنا الأبطال في الجيش واللجان الشعبية»
قال لي أحد المجاهدين «أ. ع»: «عملكم كشعراء وإعلاميين من أفضل الجهاد ولا نبرح نتابعه بدهشة وإعجاب»... قلت: «نحن لا نفعل أكثر من كوننا نحاذي في كل ما نكتبه حفا أقدامكم ونحشو أقلامنا ببارود بطولاتكم ونشحم مفاصل الأبجدية الكسيحة بعرق جباهكم الباسقة ونورد ريشة الروح نهر دمكم الزاكي وبحر تضحياتكم بأمل أن تعكس إشراق أرواحكم إشراقاً في عتمة نصوصنا وأبجديتنا... هذا أقصى ما نفعله ونرجو الله أن نفعله على أكمل وجه... أنتم القامات التي ترفع سقف سمائنا ونحن ظلها الذي يتفاوت طولاً وقصراً في معارج رقياكم، فإن طابَقَ قاماتكم تلاشى وهذا قدر الظل...».
صديقي المجاهد «أ. ع» هو أحد أولئك «الحفاة اليمانين» الذين جعلوا من جغرافيا الجزيرة والإقليم على اتساعها، مكعب نرد تقلبه أيديهم على أي وجه وصورة تمليها ملحمة الدفاع عن شرف شعبنا الرفيع وطهر ترابه في مواجهة تحالف مسوخ وغيلان العدوان الكوني.
بعد أن أنهيت مرافعتي المطولة حول فضل «المجاهد المنطلق على القاعد»، عقَّب قائلاً بحزم: أنا لا أجاملك.
وليدحض عن شهادته شبهة المجاملة راح يروي لي قصة عن صحفي يعرفه جلكم (للتحرز أشير إليه بحرفين من اسمه ولقبه).
«صرفتنا الأقدار أنا وصديقي «ع. ح» كلٌّ في وجهة، فأخذني العمل العسكري واستغرقه هو العمل الصحفي ثم كُتب لنا لقاء... كان «ع. ح» يتحدث عن حقل عمله باستحياء ويبدي ندماً لفراقه البندقية إلى القلم....».
رددت عليه حينها -الحديث للمجاهد «أ. ع»- كاشفاً خطأ استصغاره لما يقوم به من دور، فقلت: «من يدري فلعل الله يكتب لك السبق علينا فضلاً ومنزلة، بينما يؤجل منته علينا لعلمه بعدم استحقاقنا لها وحاجتنا للمزيد من التمحيص».
يقول «أ. ع»: «بعد فترة وجيزة من لقائي المجاهد الصحفي ع. ح، بلغني نبأ استشهاده في إحدى الجبهات...».
ويستطرد بنبرة هي مزيج من أسى شفيف واستبشار غامر، قائلاً: «لقد حاز السبق علينا نحن العسكريين عروجاً من ميدان صحفي اعتبره الشهيد دكةً للتقاعد وجهد مقلٍّ...».
*
حضرتني هذه القصة عقب أن بلغني استشهاد المجاهد الشاعر همدان السباء في خنادق العزة والكرامة، سلام الله على روحه وأرواح رفاقه شهداء جيشنا ولجاننا الشعبية الأبطال العظماء الكرماء في عليين.
بحسبان الملحمة البطولية الكبرى التي يخوضها اليوم شعبنا اليمني الحر الشريف بقيادته الثورية الطليعية ورجال الرجال من أبنائه، لا مسافة بين الكلمة والطلقة والقلم والبندقية وبياض ورقة الكتابة وقتام نقع المعركة ودخانها ومداد الأبجدية ووريد الكاتب منا... لا مسافة بين الشاعر الحر والكاتب والصحفي الحر وبين محاربينا الملتحمين بدروع وطيارات وبوارج وقوات العدو على أجناسها ينسفونها نسفاً في كل شبر تراب وعقدة بحر وغيمة سماء، عابرين فوق حطام استكبارها بأقدام حافية خلعت نعلي الذل والخنى وولجت قدس وادي طوى الحرية والاستقلال في زمن تنتعل فيه قوى الوصاية والهيمنة والاستكبار العالمي رؤوس معظم البشرية على كوكب صادرته العولمة وزنزنت مصيره بين سهمي «داو وجونز»!
* *
طوبى لحفاة اليمن، ولا عزاء للعالم النعال المنافق.
* نقلا عن : لا ميديا