لن تغيب شمس اليوم إلا وقد أعلنت حركة طالبان سيطرتها على جميع مدن أفغانستان بما في ذلك العاصمة كابول في سيناريو قد يبدو مستغرباً لكنه يعكس درجة التنسيق العالي بين الأمريكيين والحركة والتي كانت المُخرَج الرئيس والوحيد من الحوار الماراثوني بين طالبان والأمريكان في العاصمة القطرية.
على هذا الصعيد قالت وكالة “نوفوستي” نقلاً عن الداخلية الأفغانية أن مقاتلي الحركة بدأوا قبل قليل بدخول العاصمة كابول من كل الاتجاهات وسيطروا على كل مداخلها باستثناء مطار كابل الذي يتواجد فيه الأمريكان والذي ألعنت الحركة جعله ممراً آمناً لمن يريد أن يغادر كابل من المسئولين الأفغان.
ووفقاً للوكالة الروسية فقد رفع مقاتلو الحركة أعلام طالبان فوق العديد من المباني الحكومية بما في ذلك جامعة كابول وسط أنباء عن إخلاء جميع المباني الحكومية على وجه الاستعجال من قبل مسئولي الحكومة الأفغانية.
ما يحصل اليوم في افغانستان لا يمكن تبريره سوى بأنه اسقاط لمخرجات حوار الدوحة بين الأمريكان وحركة طالبان.
الحرب التي قادتها أمريكا وشارك فيها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب لمدة عشرين عاماً تم خلالها تدمير البنية التحتية في هذا البلد عن آخرها وتم خلالها تفكيك كل عُرى الدولة وقتل فيها مئات الآلاف ويُتِّم الأطفال وانتشرت الأرامل حتى باتت الشوارع خاليةً من الرجال إلا رجلٌ فقد ساقه أو أحد أطرافه بلغمٍ أرضي أو شظيةٍ هنا أو هناك.
اليوم يبعث المشهد في أفغانستان على الاستغراب لكن لا غرابة وطالما والأمريكان على استعدادٍ لمحالفة الشيطان طالما وهو من سيحقق مصالحهم المرحلية خلال هذه الفترة.
العلاقة التي كانت تحت الطاولة بين الجماعات الإرهابية والاستخبارات الأمريكية والغربية طفت اليوم على السطح وهاهي تفتتح مرحلةً جديدةً من الشراكة بين الأمريكان وطالبان تحت يافطة تفاهمات حوار الدوحة الماراثوني بين واشنطن وسياسيي الحركة المتشددة الذين فهموا الدرس جيداً وعرفوا كيف يدخلون في كنف مصالح واشنطن لاختراق الدولة التي قامت حربٌ شبه عالمية لطردهم منها.
ما يحصل اليوم في أفغانستان له مقدماتٌ تمت خلف الكواليس في العاصمة القطرية بين الأمريكان وطالبان ولم تكن الحكومة الأفغانية التي حضرت جسداً لا روحاً سوى شاهد زورٍ على مستقبل “سلخها بعد ذبحها” وليت أنهم اعترفوا بذلك بدلاً من المكابرة حتى آخر لحظة من سقوط العاصمة كابول بيد مقاتلي الحركة المتطرفة.
سيناريو تسليم أفغانستان لحركة طالبان بعد عقدين من الحرب المستمرة عليها أشرف عليه الأمريكان وكانت السفارة الأمريكية في كابول هي من ترسم وجهة مقاتلي الحركة عبر التصريحات التي كانت تبثها بشكلٍ يوميٍ عن مخاوف الأمريكان على رعاياهم وانحسارهم المستمر الذي بدأ بإجلاء الرعايا الأمريكان ثم المتعاونين الأفغان وأخيراً آخر طاقم السفارة الذي استمر في مهمته حتى اللحظة الأخيرة للتسليم من مطار كابول.
لا يمكن لعاقلٍ أن يبرئ واشنطن من هذا الدور اللا أخلاقي الذي تلعبه اليوم في هذا البلد بعد ان دمرته باسم الحرب على الإرهاب لكنها اليوم تسلم افغانستان لطالبان وكأنها حركة معارضة سياسية وليست حاضنة الإرهاب الذي حاربته واشنطن والتحالف الدولي.
ليس الأمريكان وحدهم من يضع اليوم يده في يد الإرهاب فوق الطاولة لا تحتها فكل الدول الغربية التي شكلت التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب هي شريكٌ فيما يجري اليوم في أفغانستان.
على هذا الصعيد قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لـ”وكالة رويترز” للأنباء إنه يجب التفريق بين القيادة السياسية للحركة التي تتفاوض في الدوحة وبين مقاتلي الحركة الذين يسيطرون على المدن الأفغانية الواحدة تلو الأخرى.
تصريحاتٌ تؤكد بأن مخطط تسليم أفغانستان لحركة طالبان ليس حكراً على الأمريكان فحسب بل تُشارك فيه كل الدول الغربية التي شكلت حتى الأمس القريب التحالف الدولي للحرب على الإرهاب وكذلك كل من له مصلحةٌ في استثمار الإرهاب من جديد.
الرئيس التركي هو الآخر صرّح لـ”وكالة الأناضول التركية” بأنه على استعداد لاستقبال قائد طالبان في تناغم يؤكد نظرية المؤامرة الدولية لتسليم أفغانستان لمن ظل العالم يحاربه عشرين عاماً بتهمة الإرهاب.
يبدو أن العالم كله وليس الأمريكان فحسب قد هيئوا أنفسهم للتعامل مع أفغانستان جديد تقوده حركة طالبان التي لا نعلم هل هي طالبان المُلّا عمر أم طالبان مستنسخةً ترتدي ثوب الأمريكان..!
* نقلا عن : السياسية