يمثل الوعي الرقمي حجر الزاوية في تطوير مهارات التعلّم الذاتي والتعليم المستمرّ.. كيف؟
إنّ الوعي المعلوماتي من المُصطلحات الحديثة التي بدأ الحديث عنها في عالم المعلومات، ويُعبَّر عنه أيضاً بالثقافة المعلوماتيّة، ومحو الأميّة المعلوماتية، ومهارات المعلومات. هذه الثقافة تُمكِّن أجيال الحاضر والمستقبل من المهارات التي تجعلهم مُستخدمين جُدُداً لتقنيّات الاتصالات والمعلومات، ومُحلِّلين واعين لفاعليّة وكفاءة المعلومات التي يحصلون عليها أو يواجهونها، وتُعرَّف الثقافة المعلوماتيّة أنّها المهارات التي يحتاجها الفرد ليستطيعَ العيش في عصرٍ بات يُطلَق عليه إسم عصر المعلومات. لذلك، ستساعده ثقافته المعلوماتية في البحث عن المعلومات وتنقيحها، وتقييمها، والوصول إلى النتائج الصحيحة.
عِلماً أنّ الثقافة المعلوماتيّة تتضمّن العديد من المُصطلحات التي يجب أنّ نتعرَّف عليها قبل الحديث عن مهارات الثقافة المعلوماتية، والتي تُعتبَر بمثابة جسر عبور للفرد للوصول إلى الوعي المعلوماتي، وهي الآتية:
-
مفهوم الوعي: منذ القِدَم، كانت الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لحفظ المعلومات ونقلها، بعد أن كان النقل الشفوي وجهاً لوجه هو الأساس في عمليّة نقل المعلومات. وبعد ذلك، ونتيجةً للتطوّرات التي مررنا بها عبر العصور، توصّلنا إلى القدرة على نقل المعلومات باعتماد تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت أكثر تعقيداً مع مرور الوقت، ولقد تفعّلت هذه الوسيلة أكثر فأكثر مع ظهور الإنترنت.
-
مفهوم الأُميّة: إنّ مفهوم الأُميّة هو السلوك الذي تتعارض طبيعة وجوده مع نظام الحضارة المُعاصِرة، ومع نمط الارتقاء بها، فضلاً عن تعارضه مع طبيعة فلسفتها وسياستها الاجتماعيّة، ولقد تعدَّدت أنواع الأميّة في عصرنا هذا لتشمل الآتي:
الأُميّة الوظيفية: وهي عدم امتلاك أو تكوين المهارات التي تُساعد على حلّ المُشكِلات التي يتعرّض لها الفرد سواءً في عمله أم في حياته الشخصيّة، على الرغم من الكمّ الوافِر من التعليم الذي يتلقّاه منذ صِغَره وحتى تخرّجه من الجامعة.
الأُميّة الثقافيّة: والمقصود بها هنا إلمام الفرد بالثقافة العامّة بغضّ النظر عن الشهادة العلمية التي نالها نتيجة تعليمه العالي والثقافة العامّة هي التي تُساعده على الاتصال والتعامُل مع المجتمع الذي يعيش فيه.
الأُميّة المعلوماتية: ويُقصَد بها العجز عن تحديد حاجات الفرد من المعلومات، وعدم قدرته على الوصول إلى مصادر تُلبّي هذه الحاجات.
-
التعليم الببليوغرافي: إنّ الهدف من هذا التعليم هو تعليم المُستفيدين من المكتبة كيفيّة إيجاد المعلومات، وتنظيم استعمال المواد المكتبية.
-
التربية المكتبية: تُعدّ التربية المكتبيّة من أهمّ الوسائل التي تُزوِّدُ الأفراد بالمهارات والقُدُرات التي تُمكنّهم من الاستعمال الواعي والمُفيد لكميّة المعلومات المُتوافِرة في المجتمع.
-
الثقافة العلمية: وهي الإلمام الشامل والعميق بمجالات المعرفة المختلفة، أو ببعض مجالاتها، والمقصود بها هي القدر من المعارف، والاتجاهات، والقِيَم، ومهارات التفكير العلمي اللازمة لإعداد الفرد لمواجهة المشكلات والقضايا في حياته، وبيئته، ومجتمعه.
إنّ كمّية المعلومات الهائلة التي أصبح بمقدور الفرد الحصول عليها بأقلِّ وقتٍ ممكن، وتعدُّد المصادر والمراجع التي تُعطي نفس المعلومات، ونتيجةً لذلك كان لا بدّ من وجود وعيٍ معلوماتيٍ لدى الفرد لكي يحصل على المعلومات التي تُفيده، لا سيّما وأنّ الوعيَ المعلوماتي مُتعدِّد الجوانب ومن ضمنها الوعي المكتبي، وهو مجموعة من المهارات التي تُمكِّنُ الفرد من استخدام المكتبة بطريقةٍ تضمن له الحصول على المعلومات التي يريدها.
وتُساعد مهارات الوعي المكتبي الفرد في الحصول على المعلومات والبيانات التي يُريدها بواسطة المهارات التي يتمتّع بها في البحث عمّا يريد؛ فالكلمات المفتاحية والجُمَل التي يبحثُ عنها الأفراد في محرِّكات البحث تكون إمّا قصيرة تتألَّف من ثلاثِ كلماتٍ أو أقل، وعادةً ما يكون عليها إقبالٌ كبير في محرِّكات البحث، أو مطوَّلة، وتتألّف من أربعِ كلماتٍ على الأقلّ، إلا أنّ الإقبال عليها ضعيف في مُحرّكات البحث، لأنه كلّما كانت الجملة أطول، كانت نتائج البحث عنها في مُحرّكات البحث أٌقلّ، فضلاً عن المعرفة بكيفيّة استعمال فهارس المطبوعات والفهارس الإلكترونيّة التي تُمكِّنُ الباحث من الوصول بسهولةٍ إلى المعلومات التي يُريدُ الحصول عليها ومن مصادرها الأولية، عِلماً أنّه كلّما كان الباحث على معرفة بطريقة استعمال قواعد البيانات وتوثيق المعلومات، نجح في تحقيق هدفه البحثي بشكلٍ أفضل.
باختصار، إنّ الوَعيَ المكتبي عبارة عن مجموعةٍ من المهارات الخاصة باستعمال المكتبة واعتبارها مصدراً بحثياً مهمّاً للحصول على المعلومات، بما يتضمّنه ذلك من فَهْمٍ لنُظُم التصنيف والتعامل مع الفهارس، واعتماد كافة المصادر، والكشافات، والأدوات الببليوغرافية، والمُستخلصات، وقواعد البيانات، والقدرة على استخراج المعلومات، والاستفادة منها، وتوثيقها بهدف الوصول إلى الاستقلال الذاتي في الحصول على المعلومات.
كما أنّ فَهْم الثورة الرقمية بأبعادِها وتطبيقاتها في مجالات المعلومات والاتصالات، فضلاً عن فَهْمِها في البحث والتقصّي وتوثيق المعلومات ومعالجتها وإرسالها واستقبالها، يُمكننا أيضاً إطلاق تسميةٍ أخرى عليه، وهي محو الأميّة الرقمية والتي تدلّ أيضاً على تفسيرٍ واحد، وهو إكساب الفرد المهارات الأساسيّة التي تُمكِّنُه من اعتماد تقنيات الحاسوب في حياته اليومية، والقدرة على اكتشاف المعلومات، وتحديد كيفية الوصول إليها، وتقييمها، واعتمادها. إلى ذلك، يُمثِّلُ الوعيُ الرقمي حجر الزاوية في تطوير مهارات التعلّم الذاتي والتعليم المستمرّ في حياةِ الإنسان.
* المصدر : الميادين نت