خدعونا طويلاً بمقولة: «المعاناة تولد الإبداع». وهي مقولة خادعة لتخدير الناس كغيرها من المقولات الرنانة التي تلمع في كتب السير والحديث.
هذه العبارة تحمل نفس مدلول مقولة: الغنى غنى النفس.. لا عافاك أغناك.
ونفس القول المأثور: «من نام ولا يجد سوى قوت يومه فقد ملك الدنيا بحذافيرها».. كيف يملك الدنيا بحذافيرها، وهو لا يجد قوت يومه؟
لا يمكن أن يبدع من لا يجد قوت يومه، ولا يمكن أن يبدع من يخاف ألَّا يجد لقمة لأطفاله، وهو يفكر في طعام الغد. ولن يكون المال وسخ الدنيا إن تم استخدامه بالشكل الصحيح.
من أجل أن تبدع، لا بد أن يكون جيبك مليئاً، كي لا تفكر في متطلبات الغد، ولا تقلق إن فرغت دبة الغاز، أو احتاج طفلك إلى دواء السعال، ولن تخشى طرقات المؤجر على بابك. حينها ستفكر في الإبداع فقط، فالمعاناة التي تولد الإبداع هي معاناة إبداعية وذهنية، وليست معاناة اقتصادية، واحتياجاً وجوعاً أنا أبدع حين يكون جيبي دافئاً، وأبتسم لكل الناس الذين لا أعرفهم، وأبتهج بالحياة، إذا لا شيء يقلقني أو أخاف منه.
المعاناة تخلق الإبداع، نعم.. حينما تكون هذه المعاناة في الإبداع نفسه.
المعاناة في كتابة شيء جديد.. المعاناة التي تدور حول قلق التجديد.
ومن المستحيل أن المعاناة الاقتصادية تخلق الإبداع. فقد قال سيد العارفين علي بن أبي طالب: «الفقر يـُخرسُ الفـَطِن».. وقال أيضاً: «الفقر في الوطن غربة، والمال في الغربة وطن».
ورغم أنه كان أبا الزاهدين، لكنه كان يدعو قومه للعمل والسعة على أنفسهم، لأن الزهد حالة شخصية تخص صاحبها فقط، ولم يكن يحبِّب إليهم الفقر أو يرغبهم في قبوله والتعايش مع الجوع.
لقد كان الإمام علي بن أبي طالب مغايراً في كل شيء، حتى عندما سألوه عن حب الوطن، كان رأيه مختلفاً حين قال: «ليس بلدٌ أحق بك من بلد.. خير البلاد ما حَمَلَك».
أما أولئك الذين جعلوا الفقر محبباً للناس، وجعلوهم يقتنعون بالعافية، فهؤلاء ليسوا سوى لصوص يريدون أن يجمعوا الثروات من عرق هؤلاء الذين تعايشوا مع الفقر واقتنعوا بالحصول على قوت يومهم، وظنوا أنهم يملكون الدنيا بحذافيرها.
* نقلا عن : لا ميديا